والتر كرايسلر: قصة نجاح وكفاح متواصلة

والتر كرايسلر نجاح وكفاح متواصل:

رجلٌ إداري، وصانع سيارات عظيم، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة كرايسلر -التي هي جزء من شركة فيات كرايسلر للسيارات اليوم-، ويمكن أن تحمل حياة هذه الرجل عنوان “والتر كرايسلر نجاح وكفاح متواصلين”، حيث قدم هذا الرجل العديد من الدروس والمواعظ والمغامرات، بسبب شخصيته وشغفه بالعمل والتعلم دونما توقف.

أبدى والتر منذ طفولته اهتماما كبيرا بالآلات والمحركات وسعى كثير لمعرفة كيفية عملها، بل إن شغفه ظهر جليّا في سنٍ مبكرة جدا، وذلك حينما قرر الدخول في العمل الرسمي في عمر الخامسة عشرة، وقد قام بتغيير مهنته عدة مرات في سبيل تعلم المزيد في أماكن مختلفة، بل إنه كان يرضى بتخفيض أجره في الكثير من المرّات، في سبيل الدخول في دورات تعليمية على أرض الواقع، أو حتى التعلم عن طريق المراسلة، لدرجة أنه تعلم الهندسة الكهربائية عن بعد.

رحلة نجاح وكفاح والتر كرايسلر قبل السيارات:

ولد عام 1875 في ولاية كانساس الأمريكية، وقد كان شغوفا بالعمل منذ صغره كما أشرنا، فعمل في حراسة أحد المصانع مقابل عشرة سنتات في الساعة، ولكنه لم يكن أي مصنع بل هو مصنع آلات بسيطة، وعندما أتمّ والتر سن السابعة عشر من عمره، وافق على تخفيض أجره إلى النصف، مقابل الالتحاق بدورة تعليمية لمدة أربعة سنوات، كان محور هذه الدورة هو التدرب على الآلات بشكل واسع، من حيث فهمها والتعامل معها وتركيبها وإصلاحها، وليصبح بعد هذه الدورة عامل آلات في أحد ورش السكك الحديدية.

ولم يلتحق والتر كرايسلر في هذه الدورة التعليمية ليملأ أوقات فراغه، أو حتى للحصول على مهنة أعلى براتب أكثر، بل كانت لديه رؤية واضحة وحقيقية، وهي ضرورة تنمية شغفه بالآلات، ونقلها من هواية إلى احتراف حقيقي، فاكتسب من خلال هذه الدورة التدريبية مفاهيم واسعة حول آلية عمل المحركات الآلية، والكوابح الهوائية، مما دفعه إلى البحث بشكل أكبر في علوم الالآت، فارتحل بين الولايات طالبا للعلم والمعرفة في مجال علوم الآلات والمكائن، ومع نمو مداركه وسعة اطلاعه، أصبح واحدا من أفضل عمّال السكك الحديدية في ولايته، وارتقى في السلم الوظيفي في دائرة السكة الحديدية براتب ممتاز آنذاك، ولم يستمر الأمر على هذه الصورة طويلا؛ حيث أن أمرا كبيرا حدث معه آنذاك.

والتر كرايسلر: قصة نجاح وكفاح منذ الطفولة

والتر كرايسلر ورحلته مع السيارات:

لاحظ والتر أمراً بالغا في الأهمية في الوقت الذي تقلد فيه منصبا مهما في سكة الحديد؛ حيث انتبه إلى أن هناك صناعة تنمو في الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون لها شئنا كبيرا في عالم الصناعة والنقل والاقتصاد بشكل عام.

وقد كانت هذه الصناعة الجديدة هي صناعة السيارات التي انتشرت في الولايات المتحدة الأمريكية، فقام بجمع المال والاستدانة وطلب القروض الشخصية بهدف شراء سيارة للتعرف على هذه الآلة وفهم طبيعتها، وهو ما عارضه عليه الكثير من الاصدقاء واعتبروه رفاهية ليست ضرورية.

ولكن والتر ما إن قام بشراء السيارة حتى قام بتفكيكها إلى أصغر أجزاء ممكنة، وبعد ذلك قام بتجميع الأجزاء مرة أخرى أكثر من عشرة مرات حتى تمكّن منها، ولكن هذا الرجل الداهية، نسي أمراً بالغا في الأهمية، وهو أنه تعلم فك السيارة وتجميعها، ولكنه لم يتعلم قيادتها، فما كان منه إلا أن اصطدم في جدار في أول تجربة للقيادة له.

وعلى الرغم من أنه كان موظفا في السكك الحديدية براتب سنوي مرتفع وصل آنذاك إلى 12 آلف دولار أمريكي (وهو ما يعادل اكثر من ثلاثمائة ألف دولار سنويا في وقتنا الحالي بعد معادلة سعر التضخم)، إلا أن والتر قرر أمراً آخر بالغ في الأهمية بعد تمكّنه من فهم السيارة وأجزائها، فقرر ترك وظيفته في سكة الحديد، والالتحاق بشركة سيارات مغمورة آنذاك تدعى (بويك) بنصف الراتب.

وبالفعل تمكّن من الدخول إلى هذه الشركة المغمورة وذات الخسائر المتواصلة آنذاك، فقام باستخدام كل ذرة من خبرته السابقة، فنظم الأعمال، واستحدث السجلات، وضبط إيقاع العمل، وبدأ بتجريب آليات عمل جديدة كان لها الفضل في زيادة الإنتاج من أربعين سيارة في اليوم إلى أكثر من مئتي سيارة يوميا، بل إن الشركة قامت بتحقيق الأرباح في الشهر الأول من التحاق والتر بها، ثم قام والتر بإدخال أمرٍ كان يتم استخدامه في صناعة عربات سكك الحديد، فقام بإضافة المطاط إلى صناعة هيكل السيارات، لتخفيف حدة الاصطدام، وهو ما كان قفزة في عالم الأمان لم يسبقها إليها أية شركة من الشركات الأخرى آنذاك.


والتر كرايسلر في عام 1924 مع أول سيارة تحمل اسمه

والتر يصطدم مع مدرائه:

على الرغم من نجاح هذا الرجل العبقري، إلا أنه دائما ما كان يرفض فكرة أن يكون له مديرا أو رئيساً يملي عليه ما يجب أن يقوم به، فقام بالاصطدام مع مدير شركة (بويك)، وهو ما دفع والتر إلى الاستقالة مباشرة، ولكن مدير شركة جنيرال موتورز (الشركة المالكة لشركة بويك) أسرع إلى والتر ليسترضيه ويطلب منه البقاء، وهو ما حدث فعلا.

ولكن طبيعة والتر الرافضة لوجود من هو أعلى منه في الشركة غلبتة مرة أخرى، فقام بتقديم استقالته في عمر الخامسة والأربعين، بعد نزاع مع مدير شركة جنيرال موترز نفسه، إلا أنه وجد نفسه خارج مضمار العمل دون أي عرضٍ من أية شركة تُذكر، ولكن العرض هذه المرة كان من قبل عدة بنوك، وليس للعمل فيها، وإنما لإنقاذ قروض شركة سيارات خاسرة، حيث طلبت منه العمل في الشركة وإنقاذها من الإفلاس، فقام خلال سنتين بتخفيض خسائر الشركة من خمسين مليون دولار إلى 18 مليون دولار  أمريكي، إلا أن والتر لم يتغير، فاصطدم بالإدارة، واستقال على الفور.

والتر كرايسلر يعود من جديد:

أدرك والتر بأن العمل لدى الغير هي مشكلة قائمة بحد ذاتها، وقد قبل بأول عرض موجه إليه من قبل شركة مغمورة لصناعة السيارات، وقام بالعمل فيها وهو عازمٌ على امتلاكها، بعد تحسين أوضاعها المالية والتشغيلية، وهو ما حدث فعلا، وقد قام بشراء الشركة وغير اسمها لتصبح باسمه (شركة كرايسلر).

وعلى الفور قام بالاشتراك في معارض السيارات، ليعرض نموذج سيارته الجديد جنبا إلى جنب مع السيارات الشهيرة الأخرى، ولكنه اصطدم مرة أخرى بتعنت الشركات الكبيرة وهجومهم عليه، ومنعه من عرض نموذجه بطريقة ذكية، حيث اشترطت الشركات الكبيرة عرض السيارات التي بيعت مسبقا فقط.

إلا أن والتر لم ينهزم، بل فكر في أمر مهم جدا، فعرض سيارته في مدخل المعرض، الأمر الذي دفع الجميع لمشاهدة وملاحظة سيارته قبل السيارات الأخرى داخل المعرض، وقد كانت نقطة التحول، لتصبح شركة كرايسلر واحدة من أكبر ثلاث شركات أمريكية آنذاك، ولتساهم في المجهود الحربي الأمريكي في الحرب العالمية.

وقد قرر كرايسلر أن يترك أمرا آخر ليخلّد اسمه في التاريخ الأمريكي بعيدا عن السيارات وصناعتها، فقام ببناء أطول مبنى (برج) في العالم في مدينة نيويورك، والذي حمل اسم (برج كرايسلر)، وقد حمل هذا البرج لقب أطول برج في العالم لفترة طويلة، وقد ضاهى العديد من المباني في العالم من حيث الاهتمام بالتفاصيل الجمالية والهندسية لفترة طويلة.

وقد توفي والتر كرايسلر عام 1940 تاركا بصمة كبير في عالم صناعة السيارات، وإرثا كبيرا في ريادة الأعمال، ومثالا يحتذى في التصميم والإرادة، والعزيمة، وعدم اليأس أثناء السعي نحو تحقيق الحلم.

برج والتر كرايسلر في نيويورك وتظهر إلى اليمين علامة كرايسلر الشهيرة

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية