الاقتصاد قبل كورونا وما بعده: حالة حرجة!

تاريخ الناتج المحلي الإجمالي العالمي في نصف قرن: 

يبلغ حجم الإنتاج الإجمالي العالمي اليوم 91.98 تريليون دولار أمريكي، ويعبر عن 193 اقتصاد عالمي، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية على قمة الاقتصاديات بحجم يناهز21 تريليون دولار أمريكي، أي أن اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية يمثل 22% من اقتصاد العالم، ولتوضيح الصورة بشكل أكبر فإن أكبر عشرين اقتصاد يساهمون بنسبة 80% في صناعة الاقتصاد بينما يساهم بقية العالم بنسبة أقل من الرُبع في صناعة الاقتصاد، وإذا أمعنّا النظر في المراكز الأولى سنجد بأن 17 اقتصادا عالميا من حيث الناتج المحلي الإجمالي ما زالوا يتربعون في مراكزهم الأولى منذ العام 1980.
ومن النقطة التي انتهت منها الفقرة السابقة وهي العام 1980 يمكنك أن تلاحظ نموا ملحوظا وهائلاُ في الناتج المحلي الإجمالي؛ حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 721% بين الأعوام 1980-2020، وذلك حينما كان الناتج المحلي الإجمالي العالمي يبلغ 11.22 تريليون دولار في العام 1980. ولتفسير هذا الارتفاع، لابد من الرجوع عشر أعوام كاملة، أي إلى حقبة السبعينيات، تلك الفترة التي شهدت ولاية الرئيس الأمريكي نيكسون الذي وعد بازدهار اقتصادي بعد الركود الاقتصادي الذي عانت منه أمريكا بفعل حروبها المختلفة في الستينيات، فقام بفك ارتباط الذهب بالدولار، ولم تختلف سياساته عن سياسة الرئيس الحالي دونالد ترامب، فقام في بداية تعيينه بفصل رئيس الاحتياطي وتعيين آخر لتمرير سياساته الاقتصادية التي أدخلت الاقتصاد العالمي برمته في آتون التضخم، والذي سرعان ما أصبح من أسوأ الفترات الاقتصادية على الولايات المتحدة الأمريكية بل وأسوأها على الاقتصاد العالمي بصرف النظر عن الأرقام التي يتم التباهي فيها مع تضخمٍ كاد أن يصل إلى 14% في أفضل اقتصاديات العالم، وسرعان ما طوى العالم هذه الصفحة في حقبة إنتاجية وتكنولوجية جديدة في الثمانينات ارتفع معها الناتج المحلي الإجمالي العالمي وازدهر فيها حتى العام 2008.

سير الناتج المحلي الإجمالي العالمي: المصدر: البنك الدولي

مفارقات الاقتصاد العالمي بعد كورونا:

إن العرض السابق يلخص لك ما حصل مع الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال الخمسين عامٍ الماضية بشكل سريع ومُبسط، وذلك لتوضيح تأثير ثلاثة شهور فقط من فايروس كورونا المستجد COVID-19 على الاقتصاد العالمي من حيث الناتج المحلي الإجمالي. وهذه المرة أريد منك العودة لآخر أزمة مالية عالمية حدثت ما بين الأعوام 2007-2008، وذلك حينما كان العالم يغرق في نمو اقتصاديٍ مميز، وخاصة بعد انطلاق الألفيّة التكنولوجية الجديدة، فوصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 63 تريليون دولار أمريكي عام 2008، وما أن انطلقت الأزمة المالية العالمية حتى فقد الناتج 3 تريليونات دولار فقط، ثم سرعان ما عاد إلى مساره الصعودي باستثناء بعض الوقت خلال العام 2014.

أما اليوم وبعد انطلاق فايروس كورونا المستجد، فإن الاقتصاد العالمي كان أمام خيارات كثيرة، ولكنه اختار خيارين اثنين، الأول يتعلق بتوقيف عجلة الإنتاج حفاظا على الأرواح، وأما الآخر فيتعلق بتحفيز الاقتصاد للحيلولة دون سقوطه سقوطا مرعبا، فقامت الدول بضخ 8 تريليونات الدولار لتحفيز الاقتصاد خلال ثلاثة أشهر تم ضخها هنا وهناك، والأدهى من ذلك أن وكالة بلومبيرغ اعتبرت هذه الحزم التحفيزية غير كافية. هذا يعني أن العالم ضخ 9% تقريبا من حجمه في ثلاثة شهور، أي أنه ضخ ثلاثة أضعاف ما قام بتقدميه في الأزمة المالية العالمية الأخيرة ولكنه لم ينجح بعكس ما حصل معه قبل 12 عام، بل أنه قام في ثلاثة شهور بضخ أموالٍ تم تحقيقها خلال ثلاثة أعوام كأبسط صورة.

نعم! إن الاقتصاد العالمي اليوم يقف أمام اختبارٍ كبير، ليس للنجاح في إنقاذ الاقتصاد بل للنجاح في الانتهاء من الفايروس كخطوة أولى، ثم التفكير لاحقا بخطط الإنعاش والخروج من المشاكل الاقتصادية التي وضع الاقتصاد نفسه فيها بعد تركيزه على قطاعات دون أخرى، بل لعدم اكتراثه بالمشاكل الأخرى التي لم يلقِ لها بالاً أثناء صعود مؤشراته بشكل تاريخي، فهو اليوم يقف أمام قضية الأمن الغذائي، وغدا قد يقف أمام قضية الأمن والمستقبل البيئي، ثم قد يقف أمام مشكلة الموارد وغيرها من المشاكل.

إن وضع الخطط الحالية تحت مسمى خطط التحفيز قد يعتريه بعض الخطأ، فالخطط الحالية ليست سوى محاولات لتأخير السقوط، وقد يكون هذا السقوط ما هو إلّا مرحلة من مراحل الصحوة الاقتصادية العالمية لمعرفة وضعها الحقيقي، وإعادة ترتيب الأوراق ومراجعة الذات.

المراجع:

  1. www.imf.org/external/datamapper/NGDP_RPCH@WEO/OEMDC/ADVEC/WEOWORLD
  2. worldpopulationreview.com/countries/countries-by-gdp/
  3. www.investopedia.com/insights/worlds-top-economies/
  4. data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD
  5. www.investopedia.com/articles/economics/09/1970s-great-inflation.asp
  6. www.bloomberg.com/news/articles/2020-04-23/when-8-trillion-in-global-fiscal-stimulus-still-isn-t-enough

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية