الاقتصاد التركي في عهد اردوغان ما بين مؤيد ومعارض: ما الذي يجري في تركيا؟

يلفت الاقتصاد التركي الآن مختلف الأنظار إليه، سواءٌ الداعمون أم الخصوم، أم المحللون الاقتصاديون وغيرهم، وتزداد هذه الرغبة في المتابعة والاطلاع في ظل ما تعيشه العملة التركية من تراجع كبير، وفيما يلي عرض لآراء المؤيدين والمعارضين للرئيس التركي من خلال عرض عام لوضع الاقتصاد التركي في عهد اردوغان .


لقد سجلت العملة التركية مستويات منخفضة منذ بداية الربع الثالث، حتى تخطّت اليوم مستويات 16 ليرة أمام الدولار، في ظل معركة شرسة يخوضها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أسعار الفوائد.

حيث ينظر العديد من الأشخاص، إلى تخفيض أسعار الفوائد، بأنها باتت معركة شخصية لأردوغان.

ولكن هناك من يرى بأن مسألة الفوائد في تركيا، لا يصحُ بأن يتم تناولها بهذه الطريقة السطحية.

وفيما يلي تفسير لما يجري لدى الاقتصاد التركي في عهد اردوغان من وجهتيّ النظر المؤيدة والمعارض بشكل حياديّ.

الاقتصاد التركي في عهد اردوغان

رأي الفريق المؤيد لسلوك أردوغان:

يرى المؤيدون بأن مسألة تخفيض أسعار الفوائد من قبل الرئيس التركي، يجب أن تتم دراستها من وجهة نظر اقتصادية، بعد دراسة تفاصيل الوضع الاقتصادي التركي.

لكن، وقبل الدخول في خِضَّمِ الاقتصاد التركي، فإنه لابد من الاعتراف بأن انخفاض العملة التركية، لم يكن سرّاً كامنا، أو مفاجأةً صادمة، أو كارثةً لم تكن في الحسبان.

فأغلب المحللين، والمراقبين، كانوا على يقين بانخفاض العملة، بعد تصريحات أردوغان بتخفيض أسعار الفائدة منذ شهر تقريبا.

أما عن مسألة عدم العقلانية في تخفيض أسعار الفوائد، رغم ارتفاع أرقام التضخم، فيشير المؤيدون ضرورة التفسير العلمي والتاريخي لحركة الفوائد والتضخم.

حيث تقوم البنوك المركزي برفع أسعار الفوائد في حالات التضخم، وذلك ل:

  • سحب الأموال المتاحة.

  • وتخفيض القوة الشرائية (انخفاض الطلب).

  • ومن ثم إجبار العرض (المنتجين)، على تخفيض الأسعار، لموائمة الانخفاض الحاصل في جانب الطلب.

إلا أن هذا السيناريو البسيط والمباشر، لا يمكن أن يحدث بهذه السلاسة في الساحة التركية الآن، في ظل العديد من المشاكل، وأبرزها:

  • تعطل سلاسل التوريد التجارية، والتي ستحدّ من الحركة التجارية الدولية.

  • انخفاض المعروض من الطاقة، والتي ستحدّ أيضا من القدرة الانتاجية العالمية.

  • ارتفاع التوترات السياسية، والجيوسياسية، وهو ما يُعتبر عاملا من عوامل نجاح الاستراتيجية آنفة الذكر.

  • وصول أرقام التضخم عالمياً إلى مستويات لم تصل أغلب الدول منذ عدة عقود، وهو ما يجعل التضخم مشكلة عالمية، أكثر من كونه مشكلة محلية، أو إقليمية.

الناتج المحلي الاجمالي التركي حتى عام 2020
الاقتصاد التركي في عهد اردوغان
الاقتصاد التركي في عهد اردوغان : مشاركة القطاعات الرئيسية في الناتج المحلي الاجمالي التركي
الاقتصاد التركي في عهد اردوغان : نسبة الاستثمار الاجنبي من الناتج المحلي الإجمالي التركي

أما الآن فنعود إلى عرض للوضع الاقتصادي التركي بشكل عام، والتي تمثلُ حالةً تفرض نفسها على الساحة الإقليمية.

فقد حقق الاقتصاد التركي قفزة اقتصادية نوعية، مقارنة بما كان عليه في الماضي (انظر الرسوم البيانية أعلاه).

حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 150 مليار دولار عام 1990، إلى حاجز التريليون عام 2013، قبل أن ينخفض إلى 719 مليار عام 2020.

إلّا أن المؤيدين يفسرون ما يقوم به أردوغان، على أنه ذهاب منه نحو تغيير هيكلة الاقتصاد التركي، ودفعه نحو الانتاج.

فقطاع الخدمات (كما هو واضح في الرسم أعلاه)، يمثل النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي التركي خلال العقد الماضي.

فيما يقتسم كلٌّ من قطاع الإنتاج (الصناعة)، وقطاع الزراعة، نسبة 35% من حصة الناتج المحلي الإجمالي.

بل إن المؤيدين يربطون هذا الأمر بالوعود الاقتصادية التي يقدمها أردوغان.

حيث أعلن اردوغان عن تشجيع النمو الاقتصادي بالاعتماد على زيادة الانتاج، والتوظيف، فيما سمّاه “حرب الاستقلال الاقتصادية”.

ودعونا نفسر رأي المؤيدين لحكم أردوغان، من خلال تفسير محتويات جملة “حرب الاستقلال الاقتصادية”

مدلول كلمة “حرب”:

إن إطلاق أردوغان مصطلح “حرب”، هو تأكيد منه على ما يدور في البيت الاقتصادي التركي من مشاكل، أو اضطرابات، أو تدخلات، أو سمّها ما شئت.

وهو الأمر الذي يبدو بأن أردوغان يسعى إلى الحدِّ منه بشكل كبير، من خلال سحب البساط اقتصاديا من تحت اقدام الخارج، وهو ما ينقلنا إلى تفسير كلمة الاستقلال.

مدلول كلمة “الاستقلال”:

يؤكد مصطلح “الاستقلال” على أمرٍ يفسّر عدم اهتمام اردوغان بسعر العملة، وتركيزه على مسألة تخفيض الفوائد.

فالاقتصاد التركي بات عرضة للعديد من التدخلات والتأثيرات الخارجية، خاصة بعد العديد من الإصلاحات المالية التي حدثت بين 2002-2007.

خاصّة وأنه قد أصبح الوجهة التاسعة الأكثر شعبية للاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2020، وفقا لقاعدة بيانات مكتب الاستثمارات التركية الرسمية.

وهذا ما يشرح معنى كلمة “استقلال” التي ينشدها الرئيس التركي، وذلك من حيث اعتبار أن زيادة التدخل الخارجي يعتبر واحدة من مساوئ ارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي (لاحظ نمو الاستثمار الأجنبي من خلال الرسم أعلاه).

مدلول كلمة “الاقتصادية”:

بينما تشير كلمة “الاقتصادية”، إلى أمر يجب الانتباه إليه بعناية، فهذه الكلمة، كانت مفتاح السرِّ الحقيقي لنمو الاقتصاد الصيني، والذي يعتبر ثاني اقوى اقتصاد في العالم.

فزيادة التحكم بمقاليد الاقتصاد، كان من أبرز سمات الدولة الشيوعية الصينية، والتي ما زالت تتفاخر بهذه الميزة حتى الآن.

فيما يمكن ملاحظة أن انخفاض العملة التركية، يشبه، إلى حدٍّ ما، ما حدث لدى العملة الصينية والتي كانت سببا من أسباب نمو الاقتصاد الصيني.

وهذا ما يذهب إليه المؤيدون، في تفسير أن انخفاض قيمة العملة التركية، وأنه سيحثُّ على تحسين أسواق التصدير وتحسين ميزان المدفوعات التركي.

كما ويذهبون في تأكيدهم على أن أردوغان يعلم تماماً ما يجب أن يتم في المستقبل القريب، خاصة مع إعلانه عن رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%.

وذلك حينما قال يوم الخميس الماضي:

“بهذه الزيادة، أثبتنا عزمنا على منع سحق موظفينا بسبب الزيادات في الأسعار”.

آراء المعارضين لسياسة أردوغان الاقتصادية

رأي الفريق المناهض والمعارض لسلوك أردوغان:

أما عن الفريق المعارض لسياسية أردوغان، فيذهب إلى تفسير ما يحدث في الاقتصاد التركي، على أنه تخبط، وتدخلات غير مسؤولة في الشؤون المالية والنقدية.

بل إن هناك من وجد بأن إعلان اردوغان عن تعزيز الانتاج ورفع الحد الأدنى للأجور ما هو إلا حركة انتخابية.

حيث قال مصطفى مراد كوبلاي ، المحلل المالي:

“إن تحركات أردوغان الأخيرة كانت تهدف إلى تعزيز الإنتاج والصادرات في الربع الأول من العام المقبل لوضعه في المقدمة في الانتخابات”.

بينما سخر رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، من زيادة الحد الأدنى للأجور، في ضوء السقوط الساحق لليرة.

حينما قال كوبلاي:

“قيمة الأجر انخفضت بمقدار 110 دولارات أمريكية، وهو ما يفوق قيمة الزيادة في الحد الأدنى من الأجور”.

فيما ذهب آخرون إلى تفسير زيادة التحكم الحكومي بمقاليد الاقتصاد بأنه أمر مناهض ومنافي لأسياسيات السوق الحرة.

بينما رأى البعض الآخر بأن تخفيض أسعار الفوائد سيؤدي إلى إضعاف بيئة الاستثمار الأجنبية.

ويرون بأن الاستثمار الأجنبي أدّى دورا كبيرا في دعم النمو الاقتصاد التركي في السنوات السابقة.

في النتيجة؛

لقد عرضنا الوضع الاقتصادي العام في تركيا، والذي اعتمد عليه المؤيدون لطريقة أردوغان.

فيما قدّمنا الآراء المعارضة لطريقة أردوغان، بناء على تفسيرهم لنفس الوضع الاقتصادي الذي يعيشه الاقتصاد التركي.

وما بين هذا الرأي وذلك، فإن الشهور القادمة ستثبت أي الآراء أقرب إلى الصواب، وذلك تبعا للوضع الاقتصادي الذي ستذهب إليه تركيا.   


المصادر:

Turkey: Signals Portend Escalating Economic Crisis، موقع واشنطن بوست.

واقع الاستثمار الأجنبي في تركيا، موقع دائرة (مكتب الاستثمارات التركي).

نسبة الاستثمارات الاجنبية للناتج المحلي الاجمالي في تركيا، موقع البنك الدولي.

واقع الاستثمار الأجنبي في تركيا عام 2020، موقع us department.

الناتج المحلي الاجمالي التركي بالأسعار الجارية، موقع البنك الدولي.

مشاركة القطاعات الرئيسية في الناتج المحلي الاجمالي التركي، موقع statista.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية