إقتصاد ألمانيا يواجه أكبر كارثة منذ الحرب العالمية الثانية : ركود وبطالة وغلاء

توالت العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وتدرجت حتى وصلت إلى قطاع الطاقة من خلال حظر الفحم، ثم الحديث عن حظر النفط، وصولا إلى احتمالية حظر الغاز الطبيعي الذي سيمثل تهديدا سيدفع إقتصاد ألمانيا إلى أسوأ وضع له منذ الحرب العالمية الثانية.

حيث تنتشر مشاعر الذعر لدى عموم ألمانيا بالتزامن مع زيادة احتمالية حظر الغاز الطبيعي الروسي، الذي تعتمد عليه ألمانيا بنسبة 55%.

وقد قال مارتن برودرمولر، الرئيس التنفيذي لمجموعة الكيماويات BASF :

“إن الحظر سيغرق الشركات الألمانية في أسوأ أزمة لها منذ الحرب العالمية الثانية”.

بينما قال الرئيس التنفيذي لشركة Rosenthal الألمانية:

“فكرنا في مشكلة المانيا بسبب الحرب الروسية، ولكن لا يمكننا العيش بدون الغاز، ببساطة ليس لدينا مصدر بديل للطاقة”.

إقتصاد ألمانيا يواجه أكبر مشكلة منذ الحرب العالمية الثانية: إقتصاد ألمانيا :موظف في شركة Rosenthal في مصنعها في بافاريا.

إقتصاد ألمانيا : الركود والبطالة والغلاء!

تكمن المصيبة لدى الاقتصاد الألماني في أن انقطاع الغاز عن الصناعة الألمانية، سيعني العديد من الآثار الاقتصادية السيئة وأهمها:

  • إغلاق العديد من الشركات لخطوط انتاجها، وهو ما سيمهد الطريق نحو تسريح آلاف العمال.

  • كما سيؤدي انخفاض الانتاج إلى تراجع المعروض من السلع والخدمات، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

  • بينما سترتفع الأسعار ايضا بسبب ارتفاع تكاليفها المباشرة، وتحديدا ارتفاع تكاليف الطاقة مقارنة بأسعارها السابقة.

وتقف ألمانيا موقفا صعبا جدا، ما بين مطرقة حاجتها للغاز الروسي الرخيص نسبيا، وسندان ضرورة أخذ موقف من ممارسات روسيا في أوكرانيا.

إلا أن العديد من المحللين أشاروا إلى أن ألمانيا بمنأى عن جانب “السندان”، وذلك أن إلزامية اتخاذ موقف صارم تجاه روسيا، لم يكن سوى بضغوط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

ويشير كبار الصناعة في ألمانيا إلى صعوبة الموقف بشكل لم يسبق له مثيل.

حيث يقول ليونارد بيرنبوم ، الرئيس التنفيذي لمجموعة الطاقة الألمانية إيون:

“لقد رأيت العديد من الاضطرابات، ولكن ما يجري اليوم غير مسبوق.”

أما رئيس اتحاد الأعمال في ألمانيا BDI فيقول وفقا للفاينانشال تايمز:

“إن حظر الغاز الطبيعي سيؤدي إلى توقف قطاعات كاملة من الصناعة، وسيلحق أضرارا جسيمة بأكبر قوة في ألمانيا واستقرارها”.

كما قالت أكبر معاهد المانيا الاقتصادية، إن حظر الغاز الروسي عن ألمانيا سيدفع المانيا إلى ركود حاد، وانخفاض الانتاج بنسبة 2.2%، والقضاء على أكثر من 400 ألف وظيفة.

بينما قال ستيفان كوثز من معهد كيل للاقتصاد العالمي:

“ستخسر ألمانيا 220 مليار يورو من الناتج الاقتصادي في عامي 2022 و 2023 ، أي ما يعادل 6.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي”.

إقتصاد ألمانيا – يقول رئيس شركة إيون ليونارد بيرنبوم عن أزمة الطاقة لقد رأيت كل الاضطرابات ولكن ليس بهذا الحجم

المانيا ستصبح رجل أوروبا المريض:

وبذلك ستصبح ألمانيا بمثابة رجل أوروبا المريض الجديد، وذلك بعدما عانت بالفعل من اختناقات سلسلة التوريد العالمية على مدار العامين الماضيين.

أما المؤيدون لفكرة ضرورة حظر ألمانيا للغاز الروسي، فيدافعون عن ذلك بأن ألمانيا تحافظ على صورتها السياسية.

حيث قالت جانيس كلوج ، الخبيرة في شؤون أوروبا الشرقية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية:

“أن ألمانيا يجب أن تفكر في فرض حظر على الغاز – ولو لأسباب أخلاقية فقط، لأننا لو لم نقم بذلك سنخسر رأس المال السياسي في اوروبا”.

إقتصاد روسيا – عامل يتفقد الأجزاء في Rehden ، أكبر منشأة لتخزين الغاز في أوروبا الغربية ، والمملوكة لشركة Gazprom الروسية

جذور علاقة الغاز الطبيعي بين المانيا وروسيا:

تعود جذور العلاقة بين المانيا وروسيا إلى عام 1970، حينما تم توقيع اتفاقية تاريخية بين ألمانيا الغربية آنذاك والاتحاد السوفيتي.

فحصلت المانيا على غاز رخيص، وحصل الاتحاد السوفيتي على تمويل من الغرب لتمويل بنيتها التحتية الخاصة بقطاع الطاقة.

فاكتسبت روسيا سمعة كمورد موثوق به استمر في ضخ الغاز حتى عندما أدى الغزو السوفيتي لأفغانستان إلى التوترات بين الشرق والغرب إلى نقطة الغليان.

ومع تطور الاقتصاد الالماني، كانت مسألة الاعتماد على الغاز الروسي تتجه نحو مسار أكثر حدة من اي وقت مضى.

حتى وصل الأمر بين البلدين إلى بناء خطين أنابيب للغاز الطبيعي هامين بشكل كبير، وهما نورد ستريم 1 و 2.

وحتى الآن فإن ألمانيا خفضت من من اعتمادها على الفحم الروسي من 50% إلى 25%.

كما انخفض الاعتماد على النفط الروسي من 35% إلى 25%.

بينما انخفض الاعتماد الألماني على الغاز الروسي من 55% إلى 40%.

وتهدف الخطة إلى أن تتخلص ألمانيا من الغاز الروسي بحلول منتصف عام 2024 وأن تصبح مستقلة فعليًا عن النفط الروسي بحلول ديسمبر.

أما عن البدائل الخاصة بالغاز الروسي الطبيعي، فقد قال مركز ابحاث DIW الالماني:

“يمكن لالمانيا سد فجوة امدادات الغاز الروسي عنطريق زيادة واردات خطوط الأنابيب من النرويج وهولندا والاستفادة من محطات الاستيراد في روتردام وزيبروج ، ودونكيرك ، و إجبار الصناعة على الحفاظ على الطاقة”.

ولكن وحتى مع هذه البدائل فيبدو أن الاقتصاد الألماني سيتجه نحو سيناريوهات مرعبة خلال السنوات القادمة، ستدفع الاقتصاد الألماني إلى ركود كارثي.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية