ما المقصود باقتصاد العربة ؟

مرّ العالم بتغيُراتٍ كبيرة ومتسارعة، خاصة خلال العقد الأخير من الألفية الجديدة، وظهر معها ما يُسمى بظاهرة اقتصاد العربة .

من أين جاء اسم  اقتصاد العربة:

وقد جاء هذا الاسم كترجمة للمصطلح الانجليزي Gig economy، حيث تمت استعارة كلمة Gig أو “إزعاج”، كترجمة حرفية من الموسيقى.

حيث كان الباعة المتجولون يستخدمون الموسيقى لتنبيه الناس لبضائعهم والعمل على ترويجها.

كما تعرف هذه الظاهرة بالاقتصاد التشاركي/حسب الطلب، لضمان توفير السلع أو الخدمات حسب الطلب بأعلى جودة ممكنة.

وعلى الرغم من الشعار السابق الذي رفعته هذه الظاهرة، إلا أنه لابد من الحديث عن الآثار السلبية لها؛ حيث الوظائف، والعقود، والحقوق.

فعقود العاملين وفق هذه الظاهرة تتصف بأنها قصيرة الأجل، أو مؤقتة بهدف أو غرض ما.

أي أن تعيين المؤسسة للعاملين تتعلق بحاجتها الفعلية والمؤقتة لهم لإنجاز مهام معينة.

وفي بحث لصندوق النقد الدولي حول أحوال سوق العمل بعد الركود الذي سببته الأزمة المالية العالمية السابقة، اتضحت عدة نتائج.

كان أهمها أن ارتفاع الطلب على العمالة لم يصاحبه ارتفاع في الأجور، وقد تبين أنأن اقتصاد العربة واحدا من أسباب ذلك.

وإحقاقا للحق فإن هذه الظاهرة تعتبر طبيعية في ظل الأسواق الحرة؛ حيث استغلال من لا يجدون الوظائف، من قبل أصحاب المال.

كما وجدت الدراسة أن نمو هذه الظاهرة أدى إلى عدم الحاجة للموظفين بشكل دائم، مما أدى إلى تسريح عدد كبير منهم وتحديدا بعد العام 2015/2016.

إضافة إلى أن أصحاب العمل قد تشجعوا جدا على استخدام هذه الظاهرة؛ وذلك لما لها من إيجابيات في تقليل التكاليف وتحديدا التشغيلية منها.

الأمثلة على هذه الظاهرة:

حينما نتحدث عن أمثلة هذه الظاهرة، فنحن نتحدث عن ظاهرة متشعبة الآليات ومتعددة الأشكال، وإليك بعض الأمثلة:

  • الأشخاص الذين يتقنون حرفة معينة ويقومون بعرضها لحين طلبها بشكل مؤقت ومُحدد، مثلما يتم عبر موقع خمسات.

  • الأشخاص الذين يمتلكون عربات أو مركبات ويتم استخدامهم حسب الطلب وهي الظاهرة الأشد ملاحظة في الأسواق العالمية.

  • الأشخاص الذين يقومون بعرض المكاتب للتأجير لفترة محددة، ويتم استئجارها لفترة بسيطة وفق حاجة المُستأجر.

هذه بعض الامثلة للتوضيح لا للحصر، ونحن إذ ونعيشُ أزمةً اقتصادية طاحنة، فإن هذه الظاهرة من المفترض أن تتوسع بشكل أكبر.

حيث أن زيادة أعداد العاطلين عن العمل، وتسريح ملايين العاملين والموظفين، سيزيد من هذا النوع من الاقتصاديات إما بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأقصد بالطريقة المباشرة هي أن يتم الاعتماد علنياً على الموظفين بعقود جزئية وغير مشروطة أو مكتوبة في بعض الأحيان.

بينما أقصد بغير المباشرة هي أن يقوم صاحب العمل بتوظيف العاملين بدوام جزئي وعقود مؤقتة إلى جانب من يعملون في ظل دوام كامل.

وهذه الطريقة يتم استخدامها من قبل المؤسسات لغايات الدعاية والمسؤولية الاجتماعية، بشكلها الظاهر.

ولكن الواقع يشير إلى أن المؤسسات تقوم باستخدامهم لتحقيق أعلى مستويات الأرباح وفق أقل التكاليف الممكنة.

إن هذه الظاهرة تدفع إلى زيادة قدرة أصحاب العمل على استغلال حاجة الأشخاص ممن لا يجدون وظيفة، ليتم توظيفهم بشروط مجحفة نوعا ما.

فنحن نتحدث عن دوام جزئي، لا يضمن المساواة مع العاملين بدوام كامل، على صعيد الإجازات والتأمين على وجه الخصوص.

بل إن ما سيدفع هذا النوع من الاقتصاديات للنمو بشكل كبير، هي الوسائل التكنولوجية الحديثة.

وعلى رأسها منصات التواصل الاجتماعي، التي تجعل من هذه الفئة العاطلة عن العمل، مضطرة لعرض نفسها بأجر زهيد.

وهنا فإن اللوم لا يقع على صاحب العمل فحسب، بل إن المسؤولية ستقع بشكل أكبر على المنظمين والمُشرعين.

وذلك لضمان أن لا يتم استغلال الظروف الاقتصادية في عدم المساواة وزيادة حدة الاستغلال الرأسمالي للاحتياجات بشكل فجٍ وغير إنساني.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية