هل يمكن الثقة بتحليل أداء الدولار الأمريكي صدقا

تُطلُ عليّنا يوميا ومن مختلفِ الجهاتِ تحليلاتٍ متنوعةً ومتضاربةً حولَ أداء الدولار الأمريكي، وبغض النظر عن النية من نشر هذه التحليلات سواء على صعيد نقلها أو صُنعها، إلا أن السؤال الرئيسي الذي أجدُهُ جديراً بالإجابة يتمثل بـ: هل يمكن الثقة بتحليل أداء الدولار الأمريكي صدقا ؟

وحتى نكونَ منصفين، ولتفسير رأيي الخاص في صدق التحليلات من عدمه، فإنني سأجيبُ عن هذا السؤال العريض من خلال الاعتراف ببعض المعلومات بهدف تصحيح الكثير من الخرافات:

أما عن الخرافة الأولى فتتعلق بانهيار الدولار الأمريكي في القريب العاجل:

أشرتُ في مكانٍ ما أن كل أمرٍ مُتوقعٌ وجائزٌ، إلّا أن خوض الحديث في الدولار الأمريكي -وهو عملة أقوى دولة في العالم في مختلف المجالات- يحتاج إلى الدراسة والتمحيص.

ولا أقصد التمجيد باقتصاد بلد ما، إنما أقصد التعامل مع المعطيات بعقلانية؛ وفقا للمعطيات التالية:

– عملة الدولار الأمريكي تمثل 85% من العملة الأساس لمختلف المعاملات الدولية.

– يعتبر الدولار الأمريكي عملة الاحتياطيات العامة لدى الكثير من البنوك المركزية العالمية.

– يعتبر الدولار عملة متفق عليها في مختلف المبادلات التجارية بشكل واسع في مختلف الدول.

وأعود لأذكر أن هذه المعطيات لا تعني بأن الدولار بمنأى عن الانهيار في أي وقت، ولكني أتحدث عن العقلانية في التعاطي مع التوقيت نفسه.

فأنا على دراية بأن العالم يتجه نحو العملات الالكترونية، وأعلم أن التقارير تشير إلى التحول خلال العقد القادم إلى اليوان الصيني.

ولكن هذه الدراية تنقلني للحديث عن الخرافة الثانية.

والخرافة الثانية التي سأتحدث عنها باختصار تتعلق بنية أو مساعي دولةٍ ما للتأثير على سعر الدولار الأمريكي أو القضاء عليه:

وهنا فإنني سأنتقل مباشرة للحديث عن عملة الصين والتي وصلت لثمانية يوان أمام الدولار الواحد يوما ما، لتنخفض الآن إلى 6.6 يوان لكل دولار أمريكي.

فما الذي أعنيه في هذه المعلومة؟ وما علاقتها بصدق تحليل الدولار الأمريكي؟

أتحدث هنا عن عملة ثاني أقوى اقتصاد عالمي، والذي رسم ثلاث مراحل ضمن خطته الاستراتيجية التي انطلقت منذ العام 1985.

وهي الخطة التي اتخذتها الصين منهجا ودستورا لرفع اقتصادها من اقتصاد تابع لاقتصاد مُنتج ومؤثر.

ولمن سينظر لسعر العملة الصينية أمام الدولار الأمريكي فإنه سيُلاحظ أن الصين عملت على تخفيض عملتها.

ولا يعني انخفاض سعر عملة بلد ما أنها تتدهور –كما هو الحال في لبنان والعراق وإيران وغيرها-.

بل يعني أن انخفاض عملة الدولة ذات الرؤية الاستراتيجية، هو وسيلة لرفع صادراتها، وتشجيع الاستثمار فيها.

فالعملة الرخيصة هي عامل جيد لتشجيع الاستثمار في البلد نظرا للتكاليف التي ستتكبدها الشركات الأجنبية في تلك البلد.

وهذا الأمر هو ما حاول ترامب القيام به منذ أن تولى الرئاسة عام 2016، إلّا أن ضعف الرؤية والمنهجية في التعاطي مع الأمور من قبل الإدارة الأمريكية دفع الدولار للانخفاض بشكل أثر سلبا على سير الاقتصاد الأمريكي.

أما عن الخرافة الثالثة والتي أحاول نقاشها هو التحليل نفسه في ظل المعطيات الحالية:

لا يكاد يمرُّ يومٌ ما حتى نجد من سيسأل متى سيرتفع الدولار الأمريكي ومتى سينخفض؟ وكثيرة هي تحليلاتُ وإجابات هذا السؤال العريض.

وهذا ما يدفع للتساؤل ليس عن أداء الدولار الأمريكي حقيقة، إنما عن التساؤل العريض: هل يمكن الثقة بتحليل أداء الدولار الأمريكي صدقا؟

أشرت كثيرا إلى أن الدولار الأمريكي محكومٌ بعدة أمور وليس أمراً تقليديا نقديا واحداً.

فلديك الأخبار السياسية والاقتصادية، ثم المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في أمريكا والدول الاقتصادية الكبرى أيضا.

ثم القرارات الاقتصادية الأمريكية على صعيد الشأن الداخلي أو الخارجي، ثم ارتفاع المعروض النقدي وخاصة في ظل كورونا.

أضف إلى ذلك ضبابية الوضع العام لدى مختلف الدول، والتخبط بالقرارات وتحديدا الهامة منها.

وهذا يدفع إلى القول بأن التحليل في الغالب سيمثلُ تفسيرا لحركة الدولار أكثر من كونه مؤشرا للتنبؤ بسيره.

فلا داعي للتشكيك بتحليلٍ أخطأ في توقع ما، ولا داعي للتباهي في توقع نجح لسبب أو لآخر.

وفي النتيجة النهائية فلا بأس من متابعة التحليلات وقراءة المؤشرات التي ستساعد حتما مع مرور الوقت في تكوين تصورٍ عام وهام حول استثمار معين هو في رأيي أجدى من التركيز على المضاربة على عملة معينة.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية