لماذا تعتبر الصين مصنع العالم الكبير ؟ أربعة عوامل احتاجت أربعة عقود

تعتبر الصين واحدةً من الاقتصاديات العقلانيةِ على صعيد السياسات الممنهجة، والاستراتيجيات المُخططة، أثناء رحلةِ صعودها، واعتبارها حاليا ثاني قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وفيما يلي سنشير إلى العوامل الرئيسية التي تدفع الجميع اعتبار الصين مصنع العالم الكبير .


يمكننا الحديث عن الصين باعتبارها مصنعاً كبيرا، ومُنتِجاً مهما لمختلف السلع في كل مكان تقريبا.

حيث تحمل غالبية علامات وملصقات الكثير من المنتجات عبارة “صنع في الصين“، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن أسباب هذا الأمر.

وفيما يلي العوامل الأساسية التي تقف وراء اعتبار الصين مصنع العالم الكبير .

الصين مصنع العالم الكبير : نظام بيئة الأعمال المناسب
الصين مصنع العالم الكبير : نظام بيئة الأعمال المناسب

أولا. النظام البيئي للأعمال في الصين:

اهتمت الصين منذ ثمانينات القرن المنصرم، بمسألة تطوير النظام البيئي للأعمال والبنية التحتية المناسبة لها.

سواء على صعيد المصانع، وسلاسل التوريد، والتوزيع، لجعل الصين مكانا أكثر كفاءة وفعالية مستقبلا.

حيث حرصت الحكومة الصينية على جعل المصانع وسلاسل التوريد والتوزيع، أموراً تعاونية لتعزيز المكانة التنافسية دوليا.

كما اهتمت بمسألة بسيطة لم تكن لتنتبه إليها الكثير من الدول؛ حيث تساهلت كثيرا في تنظيم الأعمال داخلها في بداية الأمر.

وقد ساهم هذا النظام البيئي الفريد، في دفع شركات الدول المنافسة، إلى العمل في الصين للاستفادة من تلك المزايا.

الصين مصنع العالم الكبير : العمالة وتكاليفها المنافسة
الصين مصنع العالم الكبير : العمالة وتكاليفها المنافسة

ثانيا. تكاليف العمالة المنافسة:

استغلت الصين قانونا اقتصاديا تقليديا، وهو قانون “العرض والطلب”، فإذا نظرنا إلى الوفرة البشرية في الصين، فإننا نتحدث عن 1.39 مليار شخص، وهو ما يجعل المعروض من العمالة أكبر من المطلوب، وهما يدفع الأجور إلى الانخفاض.

وقد ساعد الانتقال الصيني من الطبيعة الريفية إلى الحضرية، في زيادة الإقبال على العمل في مختلف المجالات والصناعات والظروف.

كما لا تتبع الصين قواعد صارمة في مسألة عمالة الأطفال، أو الحدود الدنيا من الأجور، وهو ما يساعد في ذلك.

رغم أن هناك الكثير من المنظمات الحقوقية والعمالية، تشير إلى أن هذا يمثل انتهاكا صارخا وصريحا من قبل الصين لحقوق الإنسان والعمال.

فيكفي أن تتخيل بأن الحد الأدنى لأجر الساعة في الصين يبلغ 3.16 دولارا منذ بداية عام 2020، أي بمعدل 355.7 دولار شهريا في منطقة صناعية تكنولوجية مثل شنزن.

ثالثا. العملة الرخيصة المنافسة:

لطالما تم اتهام الصين بتخفيض قيمة عملتها، بهدف تخفيض قيمة صادراتها مقابل السلع المماثلة التي ينتجها المنافسون.

حيث تحتفظ الصين بمراقبة ارتفاع قيمة اليوان عن طريق شراء الدولار وبيع اليوان.

وقد قُدرت قيمة اليوان بأقل من قيمتها الحقيقية بنسبة 30٪ مقابل الدولار في أواخر عام 2005.

إلا أنه وفي عام 2017 ارتفعت قيمة اليوان بنسبة 8٪ مقابل الدولار، وهو ما اعتُبر رضوخا مؤقتا لتهديدات ترامب.

الرسوم المنخفضة والضرائب الصفرية ساهمت في بداية الأمر في جعل الصين مكانا جذابا

رابعا. الضرائب والرسوم:

قامت الصين عام 1985 باتباع سياسة الخصم الضريبي على الصادرات، كوسيلة لتعزيز القدرة التنافسية لصادراتها.

حيث كانت السلع المصدرة من الصين خاضعة لضريبة القيمة المضافة بنسبة 0%، (أي أنها معفاة من الضريبة بشكل كامل).

بينما تم إعفاء المنتجات الاستهلاكية في الصين من أي ضرائب استيراد، وهو ما مكّن من الحفاظ على تكلفة الإنتاج منخفضة.

هل ستفقد الصين ميزتها باعتبارها مصنعا لمختلف أنحاء العالم؟؟

قد تقوم بعض الدول الناشئة الأخرى على محاكاة التجربة الصينية، فتقوم بتخفيض الأجور، نظرا لما تمتلكه من كثافة سكانية، كالهند مثلا.

أو أن تقوم بعض الدول بتخفيف القيود الجمركية، أو الرسوم، أو العمل على تطوير البنية التحتية والتنظيمية للأعمال.

ولكن ذلك لا يمكن أن يهدد مركز الصين باعتبارها مصنعا للعالم بالصورة السريعة كما يتصوره الآخرون.

حيث أنه ووفقا للعوامل السابقة، وعوامل أخرى يتعلق بعضها بالثروات الطبيعية، لم تكن وليدة لحظة أو خطة قصيرة المدى.

حيث عملت الصين منذ عام 1985 على الجمع بين العوامل السابقة وغيرها، وتقسيم خطتها إلى خطط خمسية، لتنفيذ رؤيتها في السيطرة العالمية عبر بوابة الاقتصاد.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية