محضر اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح : كيف سيقرأه كل من الاسواق والدولار

صدر مساء يوم الأربعاء محضر اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح FOMC، الذي تضمن تفاصيل اجتماع الفيدرالي الأخير الذي عقد بتاريخ 26-27 يوليو، وذلك حينما تم رفع الفائدة بمقدار 75 نقطة اساس للمرة الثانية على التوالي.

وقبل الدخول في تفاصيل هذا المحضر الذي شابه الكثير من الاضطرابات وحالة عدم اليقين.

فإن النتيجة المباشرة له، أشارت إلى :

  • الاستمرار في رفع الفوائد حتى يثبت التضخم بأنه ينخفض باستمرار وثبات، وهو ما سيكون لصالح الدولار.

  • مواصلة التشديد النقدي والتخلص من حيازة الحكومة من السندات.

  • التأكيد على أن قرار الفائدة سيتم اتخاذه بناء على المعطيات والبيانات الاقتصادية.

  • الاقتصاد العالمي والأمريكي قد يدخل في مرحلة ركود بسبب العديد من الظروف السياسية والاقتصادية.

هذه النتائج المباشرة، تشير بشكل طبيعي إلى أنها ستكون لصالح الدولار على خلاف الوضع مع الأسواق المالية.

إلا أن هذه المقالة تناقش مسألة الاضطرابات والإشارة إلى سيناريو الخطأ الذي يمكن أن يحدث مرة أخرى ليقلب الطاولة على الدولار، دون أن نؤكد على حدوث هذا السيناريو من عدمه، وحجم تأثيره وتوقيته أيضا.

تفاصيل محضر اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح :

أشار المحضر إلى العديد من الأمور المتضاربة التي تلفها حالة من عدم اليقين، التي ما زالت تحيط فيما يتعلق بالظروف الاقتصادية والتجارية والسياسية.

حيث وصف المسؤولون التضخمَ بأنه مرتفع (بشكل غير مقبول)، حتى قبل رفع سعر الفائدة المرة الأخيرة بمقدار 75 نقطة أساس لإبطاء ارتفاع التضخم.

فيما ظهر التضارب بشكل كبير فيما يتعلق بتوقعات النمو للاقتصاد الأمريكي خلال العام الحالي على وجه التحديد.

حيث يتجلى التضارب في الآراء بين من يرى ضرورة رفع الفائدة لمكافحة التضخم بغض النظر عن النتيجة لرفع الفوائد.

وبين من يخشى من تراجع نمو الاقتصاد خلال النصف الثاني من هذا العام بسبب رفع الفوائد، وذلك حينما قال بعض المسؤولين:

“سيضعف الاقتصاد الأمريكي خلال النصف الثاني من هذا العام، حيث أن سوق الاسكان والانفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري وانتاج المصانع قد تباطأ بعدما توسع بقوة العام الماضي”.

إلا أن الأمر الذي لوحظ مدى الاتفاق عليه، فقد تمثل بالاستمرار في عملية رفع الفائدة بما يكفي لإبطاء التضخم بشكل مستمر.

“عبارة إبطاء وتيرة زيادة أسعار الفائدة” العبارة القاتلة!

يبدو أن “ابطاء وتيرة زيادة أسعار الفائدة” كانت الوقود الذي أثار عاصفة من التفاؤل لدى اسواق المال، بشكل أصاب العملة الأمريكية بإحباط كبير رغم رفع الفائدة.

حيث أشار المحضر إلى أن المسؤولين تحدثوا عن إبطاء وتيرة رفع الفائدة، ولكن بشرط أن تحدث أمور تدفعهم لذلك.

وهو ما جعل الاسواق تتسابق إلى تخفيض توقعات رفع الفائدة بشكل متسرع نتيجة أمرين:

  • انكماش الاقتصاد بعد يوم واحد من الاجتماع الذي ظن الجميع بأنه سيكون مانعا للفيدرالي في مسيرة رفع الفوائد بشكل كبير.

  • انخفاض التضخم  عن شهر يوليو الذي ما زال مرتفعا حتى الآن!

وبغض النظر عن خطأ القراءة الذي يمكن أن يعود مرة أخرى، وسنوضح ذلك بعد قليل، إلا ان هذه التصريحات تتوائم مع نهج الفيدرالي الجديد.

حيث كان الفيدرالي قد صرح في المؤتمر الصحفي بعد قرار الفائدة الأخير، بأنه تخلص تماما من مسألة التوجيهات المستقبلية.

وهو الأمر الذي كان قد سبقه إليه  البنك المركزي الأوروبي الذي تخلى عن هذا النهج القائم منذ عام 2013.

وبذلك فإنه ما زال من غير الواضح ما إذا كان الفيدرالي سيعلن عن رفع سعر الفائدة بمقدار 50 أو 75 نقطة أساس في اجتماعه القادم.

وتتوائم هذه الحالة من عدم الوضوح مع ما تم ذكره في المحضر، حينما قال جيروم باول:

“سيتم اتخاذ قرار رفع الفائدة بناء على المعطيات والبيانات الاقتصادية التي ستصدر أولا بأول”.

الاجتماع القادم : سيناريو القراءة الخاطئة!

بناء على ما تقدم شرحه وعرضه، فإن الاجتماع القادم لن يقل أهمية وحساسية عن سابقه الذي جرى في نهاية شهر يوليو.

فبينما قام المسؤولون بعقد اجتماعهم السابق قبل صدور البيانات، التي جعلت من الفائدة الكبيرة أمرا أقل أهمية من البيانات التالية.

فإن الاجتماع القادم سينعقد بعد جملة من البيانات المتضاربة، التي يمكن ان تمثل للأسواق قراءة خاطئة أخرى.

حيث التوظيف قوي، وسوق الإسكان في حالة متدهور، والتضخم منخفض بشكل غير مفهوم، والغذاء ما زالت ترتفع اسعاره.

وهذه البيانات المتضاربة وبشكل بسيط ومباشر، ستجعل من قراءة التضخم، قراءة مضطربة، حتى وإن انخفض عن 8.5% الحالية.

ذلك أن البيانات المتضاربة التي صدرت، أو التي ستصدر قبل اجتماع الفيدرالي في 21 سبتمبر، لا تعني بالضرورة انخفاض التضخم (بصورة دائمة ومستقرة).

وقد قال جيمس نايتلي الخبير الاقتصادي الدولي ورئيس مجلس إدارة شركة ING المالية:

“هذا المحضر باختصار يشير إلى ان الفيدرالي سيظل متسمكا بالتشديد، رغم وجود بعض المسؤولين القلقين من تأثير ذلك على الاقتصاد”.

أما عن القراءة الخاطئة القديمة فإنها قد تحدث مرة أخرى إذا انخفض التضخم (اسعار المستهلك الأمريكي) الذي سيصدر بتاريخ 2022/9/13 إلى أقل من التوقعات مثلما حدث هذا الشهر.

وهو الأمر الذي وإن حدث فإنه قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالدولار مثلما حدث بعد قرار الفيدرالي الأخير وما تلاه من قراءة منخفضة للتضخم.

إلا أن هناك احتمالية جيدة هذه المرة لعدم الوقوع في نفس الخطأ، وذلك للأسباب التالية:

– الأسواق ستكون في انتظار قرار الفائدة بعد البيانات وليس قبلها مثلما حدث المرة الماضية.

– هناك من يذكر بالخطأ الذي ارتكبه كل من جيروم باول وجانيت يلين العام الماضي، حينما وصفو التضخم بأنه مؤقت، وهو ما قادم لعدم التدخل بالشكل المناسب، ليصل التضخم إلى 9.1% في يونيو.

– الاهتمام بصفة التضخم اكثر من الاهتمام برقمه المئوي؛ حيث يجب ان يكون منخفضها بالتزامن مع مؤشرات تؤكد ذلك.

والنقطة الاخيرة تعني أن المستثمرين والاسواق ستراقب المؤشرات بشكل شمولي وجماعي.

مثل أن التضخم ينخفض مع استقرار في مؤشر النفقات وتحسن مؤشر الناتج المحلي الاجمالي، إلى غير ذلك من المؤشرات الأخرى.

كما يجب أن تكون مؤشرات التوظيف متوائمة مع ظروف سوق العمل التي ما زال الفيدراليون ينظرون إليها بعين القلق.

المصادر التي تم الاستناد إليها في إعداد هذه المقالة:

Fed saw evidence of a slowing economy at its last meeting

محضر اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح من خلال موقع الفيدرالي الأمريكي الرسمي.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية