ماذا لو توقف الفيدرالي عن رفع الفوائد ؟ ثلاثة سيناريوهات الاسبوع القادم

ما زال التضخمُ يمثلُ الشبحَ الذي يؤرق العالم بشكل عام، والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، وهو ما دفع الفيدرالي للقيام بأسرع وتيرة رفع للفوائد منذ 40 عاما للقضاء على التضخم، الأمر الذي تسبب في حدوث هلع عام بسبب ما ستؤديه عملية رفع الفوائد من تسبب في حدوث ركود اقتصادي عام، وفيما يلي سنجيب عن سؤال محوري هام هو: ماذا لو توقف الفيدرالي عن رفع الفوائد ؟

وقبل البدء في إجابة هذا السؤال المهم جدا، تجدر الإشارة إلى الأمور الآتية:

  • يُعرّف التضخمُ على أنه ارتفاع في اسعار السلع والخدمات إما نتيجة انخفاض المعروض أو زيادة القدرة الشرائية

  • كما يُعرّفُ التضخم على انه انهيار في قيمة العملة المحلية للبلد مثلما يحدث في لبنان كمثال صريح وقريب.

  • يقوم الفيدرالي برفع الفوائد للترغيب بإيداع الأموال في البنوك للحصول على العوائد، وبالتالي سحب القوة الشرائية من السوق وهزيمة التضخم.

  • إن رفع الفوائد من مستويات صفرية تقريبا في شهر آذار من عام 2022، واقترابها من حاجز 4.4% نهاية العام نفسه وفقا لتوقعات الفيدرالي، ستؤدي بالضرورة إلى ابطاء الاقتصاد نظرا لارتفاع تكاليف الاموال وانخفاض الرغبة في الاستثمار نتيجة التوجه نحو ايداع الأموال والحصول على عوائد، مما سيؤدي إلى حدوث إما انكماش أو ركود. 

نبدأ الآن في الإجابة على النحو الآتي: 

  • يبلغ التضخم الآن (وتحديدا مؤشر اسعار المستهلكين CPI؛ وهو احد أبرز وأهم مؤشرات التضخم) 8.3% لشهر سبتبمر الماضي.

  • وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف ما يستهدفه الفيدرالي الأمريكي من معدل للتضخم (المعدل المستهدف يبلغ 2%)

ويعود استهداف الفيدرالي لهذا المعدل عند هذا الحجم، للعديد من الأسباب، أهمها: 

  • منع الاقتصاد من الانكماش.

  • المحافظة على مستويات تضخم صحية، تمكّن المركزي من التحكم بمعدلات الفوائد وفقا للحالة الصحية للبلد.

  • يؤدي التضخم المرتفع إلى تقليل القوة الشرائية للمستهلكين، وزيادة عدم اليقين بشأن كيفية التخطيط للمستقبل. 

ولأن الفيدرالي مصمم بشكل كبير على تخفيض التضخم من خلال وسيلة رفع الفوائد، فقد ارتفعت حدة اللهجة للإشارة لضرورة عدم الذهاب بعيدا في التشديد حتى لا يقع الاقتصاد الأمريكي في فخ الركود الاقتصادي.

وهذا ما دفع الاقتصاديين نحو الحديث عن امرين هما:

  • رفع المعدل المستهدف للتضخم.

  • عدم الذهاب بعيدا في رفع الفوائد وبدء الحديث عن موعد تخفيف التشديد الذي يمارسه الفيدرالي الآن.

وقد استطلعت مبادرة الأسواق العالمية فريق الخبراء الاقتصاديين التابع لها حول ما إذا كان يمكن رفع المعدل المستهدف من 2% إلى 4%. 

حيث اتفق غالبية أعضاء اللجنة على أن رفع الهدف سيعطي الفيدرالي فرصة لخفض أسعار الفائدة بمقدار أكبر في حالة الركود في المستقبل. 

ولكن وحتى ذلك الوقت الذي سيتم الاتفاق فيه على رفع معدل الفوائد، فإن الفيدرالي ما زال يقف أمام التضخم المرتفع والذي يقف الآن عند مستويات 8.3%. 

كما قد اعترف باول في تصريحه الصحفي بعد آخر عملية رفع للفوائد في سبتمبر بألم رفع الفوائد، حيث قال: 

“إن هذه تحركات رفع الفوائد بهذه الوتيرة ستكون مؤلمة للاقتصاد الأمريكي، ولكن كبح النمو الاقتصادي لاحتواء ارتفاع الاسعار أمر ضروري. 

ولكن وبغض النظر عن الألم الاقتصادي الذي قد تسببه عملية رفع الفوائد لمكافحة التضخم، فإن السؤال الأبرز هو: 

ماذا لو توقف الفيدرالي عن رفع الفوائد الآن؟ 

تمت الاشارة في بداية المقال إلى التضخم، بأنه تآكل في القوة الشرائية للدولار الأمريكي، حيث لن يذهب الدولار بحامله بعيدا في ظل الاسعار المرتفعة. 

فما كان يشتريه دولار واحد، سيكون بحاجة لصرف أكثر من دولار لشرائه، وهو الأمر الذي لا يستطيع المواطن الأمريكي تحمله طويلا. 

وقد يأتي التضخم نتيجة:

  • ارتفاع طلب المستهلك على السلع والخدمات وبذلك فإن الطلب هو ما سيكون سببا للتضخم.

  • أو أنه سيأتي نتيجة انخفاض المعروض من السلع والخدمات.

  • ارتفاع تكاليف انتاج السلع والخدمات، وبالتالي فإن العرض سيكون في هذه الحالة سببا من أسباب التضحم. 

كما يمكن ان يحدث التضخم نتيجة تطورات وأمور لا علاقة لها بالظروف الاقتصادية، مثل انتاج النفط المحدود نتيجة توترات سياسية أو مشاكل في سلاسل التوريد نتيجة ظروف طبيعية أو قسرية. 

ويؤدي التضخم إلى تأكل القدرة الشرائية وتحديدا للأسر الفقيرة لأنها تنفق جزءا أكبر من ميزانيتها على التضروريات مثل الطعام والسكن والغاز. 

كما يؤثر التضخم على سوق الأسهم، وتحديدا التضخم المرتفع أو السريع، فقد كان أداء الأسهم تاريخيا سيئا خلال فترات ازدهار التضخم. 

حيث إن ارتفاع الاسعار وتآكل القدرة الشرائية، ستنعكس سلبا على أداء الأفراد، بحيث تدفعهم للانفاق على السلع الأساسية مبتعدين او غير قادرين على الانفاق على الاستثمارات بشكل عام. 

بينما سيؤدي انخفاض الطلب على السلع والخدمات، إلى التأثير على شراء السلع والخدمات التي تقدمها الشركات المدرجة في الاسواق المالية، وبالتالي التأثير على نتائجها المالية التي ستؤدي إلى انخفاض اداء الاسواق المالية بالنتيجة. 

وهذه الأمور كفيلة بأن يجعل الفيدرالي التضخم نصب عينيه محاربة التضخم، حيث قالت بريا ميسرا ، رئيسة أبحاث الأسعار العالمية في تي دي سيكيوريتيز: 

“إن التضخم هو العدو الأول للجمهور، على الفيدرالي الاستمرار في محاربته”. 

كما يعتقد مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أن تكلفة رفع الفوائد لمحافظة التضخم تستحق ذلك.  

بينما قال المحللون:

“إن السماح للتضخم بالارتفاع وعدم القيام برفع الفوائد، سيؤدي إلى ان يصبح التضخم المرتفع سمة دائمة للاقتصاد”.

وفي هذه الحالة فإن البيئة الاستثمارية والاقتصادية العامة للاقتصاد الأمريكي ستكون منفرة وهو الأمر الذي لا ترغب فيه أمريكا نهائيا. 

حيث إن ارتفاع التضخم بصفة دائمة، سيدفع العمال إلى المطالبة بزيادات أسرع في الأجور، وهذا ما لن تستطيعه الشركات كلها. 

وإذا رجعنا إلى التاريخ، فإن الفيدرالي سمح للتضخم السريع بأن يستمر في السبعينيات فاستمر طيلة العقد. 

ولكن الفيدرالي وبقيادة بول فولكر آنذاك، قام برفع الفوائد إلى مستويات من خانتين في الثمانينات، وهو ما أدى إلى رفع البطالة إلى 10%. 

وقد انتقد المحللون والخبراء خطوة الفيدرالي حينذاك، وقالوا إن تدخلاته المبكرة كانت ستعالج الأمر دون التسبب في مثل هذه الآلام. 

(يمكن ملاحظة التضخم والفوائد في تلك الفترة من خلال الرسوم التوضيحيه أدناه)

وبذلك فإنه لا يرغب العديد من الاقتصاديين والمراقبين بتكرار نفس سيناريو القرن الماضي. 

وهو ما يتفق معه ويليام انجليش المدير السابق لقسم الشؤون النقدية في الاحتياطي الفيدرالي والذي يعمل خبيرا اقتصاديا في جامعة ييل. 

وحتى الآن فإن الحديث الرسمي يدور حول رفع بمقدار 75 نقطة اساس في اجتماع نوفمبر وبمقدار 50 نقطة في اجتماع ديسمبر الاخير لهذا العام. 

أما عن الطرق الاخرى للتخلص من التضخم بكل الآثار التي تمت الاشارة إليها، فإنه يبدو أن الفيدرالي لم يجد بديلا. 

حيث قال باول عن التضخم: 

“سيكون من الرائع لو كانت هناك طريقة للتخلص من التضخم، ولكن لا توجد طريقة أخرى سوى الفوائد. 

وما بين ذلك وذلك، فإن الفيدرالي سيكون الاسبوع القادم، امام امتحان صعب جدا، يحتمل ثلاثة سيناريوهات: 

حيث سيتمثل السناريو الأول بالاستمرار قدما بالحديث عن رفع الفوائد والتركيز على التضخم. 

بينما سيتمثل السيناريو الثاني برفع الفوائد، والحديث أو التلميح عن موعد ابطاء رفع الفوائد. 

وما بين السيناريو والأول والثاني، فإن ذلك سيستمر في تقديم دعم للدولار الأمريكي باعتباره أصلا مدرا للارباح. 

فيما يتمثل السيناريو الثالث بأن يقوم الفيدرالي بالحديث علنا وصراحة عن موعد ايقاف رفع الفوائد وموعد البدء في تخفيضها. 

وهذا بمثابة انتحار أو استسلام من قبل الفيدرالي للتضخم، والسماح للظروف الاقتصادية وغير الاقتصادية بالتحكم بمساره على أمل انخفاضه. 

وما بين كل السيناريوهات، فإن الانتظار والتريث حتى اجتماع الفيدرالي مساء الاربعاء وخروج رئيسه بعد ذلك بنصف ساعة، سيكون الخيار المتاح. 

وتجدر الملاحظة، إلى ان المقال الحالي تحدث عن ماذا لو لم يقم الفيدرالي بمحاربة التضخم، ومدى تأثير ذلك على الدولار الأمريكي. 

ولكننا لم نشر أبدا إلى الدولار الأمريكي بصفته ملاذا آمنا سيسعى إليه المستثمرون والمتعاملون إذا حدث الركود الاقتصادي. 

حيث إن الركود الاقتصادي قد يحدث لأمور بعيدة عن رفع الفوائد من قبل الفيدرالي، فالبنوك المركزية العالمية الأخرى تقوم برفع الفوائد. 

بينما قد تتعرض القارة الأوروبية إلى ركود حتمي نظير ما تعيشه من نقص في الطاقة وانقطاع عن الطاقة الروسية، إلى غير ذلك من المشاكل الأخرى.

كما لم تتم الإشارة إلى أن الفيدرالي سيفكر حتما باستمرار البنوك الأخرى وتحديدا الاوروبية برفع الفوائد لمكافحة التضخم الذي وصل في دولة مثل بريطانيا إلى أعلى من 10%.

بعض المقالات التي تمت الاستعانة بها أثناء كتابة هذه المقالة:

What Would Happen If the Fed Raised Its Inflation Target?

What Is the Relationship Between Inflation and Interest Rates?

How the Federal Reserve Controls Inflation

Why does the Federal Reserve aim for inflation of 2 percent over the longer run?

لماذا تفضل أمريكا الركود على التضخم ؟ ثمانية أسباب لا بد من معرفتها

كيف تعامل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مع الركود التضخمي عام 1979

معدل التضخم لدى الولايات المتحدة منذ عام 1966
اسعار الفوائد وكيف ارتفعت إلى مستويات جنونية لمكافحة التضخم الذي يظهر في الصورة أعلاه

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية