واقع الزراعة في الاقتصاد الفلسطيني وفرصة استفادته من كورونا

مكانة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي:

وفق آخر البيانات والإحصائيات التي نشرها مؤخرا موقع worldpopulationreview فإن الناتج المحلي الإجمالي وصل حتى اللحظة الراهنة إلى 91.98 تريليون دولار، أي أن العالم تضاعف إنتاجه بنسبة 700% مقارنة بحجم 11.17 تريليون في العام 1980 كما أشار موقع multpl، وقد اعتمدتُ العام 1980 كعام للمقارنة، نظرا لأن الأربعين عاماً القادمة ستكون للعالم بمثابة الفترة الذهبية للثورة التكنولوجية والتقنية التي ستقلب العالم رأسا على عقب في السنوات اللاحقة، والتي ستنقله من الاهتمام بالزراعة واستثمار الأراضي الزراعية إلى التركيز على التجارة والصناعة والخدمات.
وعلى الرغم من هذه الأرقام التريليونية الهائلة، إلا أن الكثيرين أغفلوا مسألةً غاية في الخطورة، وهي مسألة الأمن الغذائي ومستقبله، خاصة إذا ما لاحظنا أن مساهمة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي العالم قد انخفضت من 7.6% عام 1995 لتصل إلى أقل من 3.4% في العام 2017 وفق بينات البنك الدولي.
ومع انتشار فايروس كورونا الذي انطلق مع بداية العام 2020 فإن العديد تساءل عن وضع الأمن الغذائي ومدى قدرة الدول على توفير الأغذية بالكميات المناسبة، دون حدوث انقطاع في سلسلة التوريد الغذائية، الأمر الذي جعل دول مجلس التعاون الخليجي تدعم اقتراح دولة الكويت وتوافق على خطوة إنشاء شبكة أمن غذائي موحد.

واقع الزراعة بالنسبة لاقتصاد العالم

واقع قطاع الزراعة في اكبر الدول الاقتصادية:

شهدت الصين بعد العام 1949 نموا اقتصاديا هائلا على صعيد كافة القطاعات غير الزراعية، وعلى الرغم من ان اهتمام الصين بعد قيامها بالإصلاحات الاقتصادية في سبعينيات القرن الماضي واهتمامها بقطاعات التجارة والصناعة إلا انها لم تغفل أن الزراعة هو حجر الأساس لأي استقرار سياسي أو اقتصادي، ومنذ العام 1985 اهتمت الصناعة بالقطاع الزراعي واستطاعت بحلول العام 2010 أن توفر حصة 22% لسكان العالم خارج الصين من سلة الحبوب فقط ناهيك عن غيرها من السلع، أما عن الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تعتبر واحدة من أكبر المنتجين والمصدرين والمستهلكين للسلع الزراعية، بل يكفي أن تعرف أن حصة الانتاج الزراعي في أمريكا هي ضعف حصة أي صناعة أخرى، بل أن الفائض التجاري الأمريكي في المنتجات الزراعية هو حافز مهم جدا للاقتصاد الأمريكي، والأمر لم يختلف لدى اليابان وكورويا الجنوبية اللاتي بدأتا الاهتمام بالزراعة بشكل أكبر.

الزراعة في الدول المتقدمة

واقع قطاع الزراعة في الاقتصاد الفلسطيني:

بلغ الاقتصاد الفلسطيني في العام 2019 حجم  17 مليار دولار أمريكي مُقاسا بالناتج المحلي الإجمالي وفقا لبيانات الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطنيي، حيث تشكل الخدمات والتجارة نسبة تقترب من النصف، في حين لا تشكل الزراعة اكثر من 7% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وإذا ما نظرنا للتسهيلات المصرفية التي قُدمت للقطاع الزراعي فإننا سنلاحظ تدني نسبة التسهيلات المُقدمة للقطاع الزراعي بنسبة 2% وبمبلغ لا يزيد عن 149.7 مليون دولار من إجمالي 9 مليارات دولار كما في 2019 حسب بيانات سلطة النقد الفلسطينية، وهذه المؤشرات تعكس الصورة السلبية والواقع المؤلم للقطاع الزراعي في فلسطين، أضف إلى ذلك ظاهرة عزوف المزارعين عن العمل الزراعي لصالح أعمال التجارة بمختلف اشكالها، وظاهرة العمل في الداخل الفلسطيني بأعداد عمال فلسطيني يصل إلى 130 ألف عامل وفق بيانات الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني.

إن القطاع الزراعي يعتبر فرصة ضائعة بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني، وذلك لقدرته على توفير فرص عمل وتشغيل أيدي عاملة كثيرة، مما سيحد من أزمة البطالة بشكل كبير، إلى جانب القدرة على استغلال الأراضي المُتاحة فلسطينيا بشكل أفضل، ليس على صعيد الاكتفاء الذاتي بل والعودة إلى تفعيل الأراضي الزراعية المهجورة وإمكانية حدوث تصدير للخارج، وهو ما كانت عليه الأراضي الفلسطيني منذ زمن ليس بالبعيد.

أما الفرصة التي تلوح في الأفق أمام القطاع الزراعي، فتتمثل بالواقع الذي فرضه فايروس كورونا، من حيث الإغلاقات وتوجيه العالم بأسره نحو الاهتمام بالزراعة بشكل أكبر والأراضي الرعوية بشكل أبسط على حساب قطاعي التجارة الذي وجد نفسه أمام حدود مغلقة وسلسلة توريدات مُعطلة، وهو ما يمكن أن ننظر إليه على أنه معطيات جديدة يمكن أن تُعيد الدفة لسيرها الطبيعي على صعيد الاقتصاد الفلسطيني وذلك من بوابة الزراعة التي تم إهمالها بشكل كبير في الآونة الأخيرة، إلا أن التحديات ستتمثل بعامل الاحتلال ومصادرة الأراضي وتعطيله الممنهج لهذ القطاع، ولكن الأمل سيبقى بأن هناك من ينادي في السوق الإسرائيلي إلى ضرورة تفعيل القطاع الزراعي الفلسطيني ليس لصالح المواطن الفلسطيني وإنما لتخفيف عبء الأسعار وضغوطها على المستهلك الإسرائيلي، وما يمكن استغلاله إذا ما تم توجيه الدعم والاهتمام بالقطاع الزراعي الفلسطيني وجعله فرصة جيدة على صعيد الاقتصاد والمواطن الفلسطيني.

المراجع: 

The Sustainability of Agricultural Development in China: The Agriculture–Environment Nexus, Jialing Yu 1 and JianWu, 2018
How Important is Agriculture in China’s Economic Growth?  Shujie Yao, 2000
Evaluation of Agricultural Policy Reforms in the United States, OECD i-Library,
https://www.multpl.com/world-gdp/table/by-year
https://data.worldbank.org/indicator/NV.AGR.TOTL.ZS
https://worldpopulationreview.com/countries/countries-by-gdp/
www.pma.ps
http://www.pcbs.gov.ps/

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية