كيف يتم قياس معدل التضخم ؟ دليلك نحو القراءة السليمة لمؤشرات التضخم

يضجُّ العالمُ اليومَ بالحديث مطولاً، وباهتمام شديد، عن التضخم الذي تعاني منه مختلف الاقتصاديات، وفي هذا المقال سنأخذكم في جولةٍ ميسرة، للحديث عن آلية قياس معدل التضخم من خلال عرض أهم مؤشراته، والتحديات أو الانتقادات الموجهة إلى هذا المؤشر.

وقبل الدخول في موضوعنا، فإنه لابد من التعريف بمفهوم التضخم، والذي يعبر، ببساطة شديدة، عن المقياس الذي يعكس زيادة مستويات أسعار السلع والخدمات التي تقوم الأسر، أو الأفراد، بشرائها.

وهذا يعني، أن مؤشر التضخم، يعبّر عن الارتفاع السعري، ولا يعبر عن الانخفاض السعري الذي يعبر عنه مؤشر الركود، والذي سنأتي إليه في مقال منفصل.

آلية قياس معدل التضخم : التضخم يعبر عن ارتفاع الأسعار فقط

كيف يتم قياس معدل التضخم ؟

لمعدل التضخم، عدةَ مؤشرات، سنلقي الضوء على أهمها، على النحو الآتي:

أولا. مؤشر أسعار المستهلك Consumer Price Index (CPI):

وهو أشهر مؤشرات التضخم، والذي يقيس النسبة المئوية للتغير في سعر السلع والخدمات التي تستهلكها الأسر، بين نقطتين زمنيتين محددتين.

ويتم نشر هذا المؤشر بشكل دوري، على النحو الآتي:

  • شهري (مثل أمريكا).

  • ربعي (مثل استراليا).

  • أو بحسب ما ترأتيه الدول (مثلما درجت العادة في الحالة الصينية، وإن أصبح الأمر لديها أكثر شفافية خلال السنوات الماضية).

أما عن مكونات هذا المؤشر، فيتم جمع آلاف العناصر من السلع، وتبويبها في فئات محدددة، واحتساب معدل الارتفاع السعري بشكل إجمالي.

ومن أهم المجموعات التي يتم تقسيم العناصر المجموعة فيها، ما يأتي:

  • السلع الزراعية بشكل عام.

  • الأطعمة والمشروبات.

  • الملابس والأحذية.

  • الإسكان.

  • المياه والكهرباء والغاز.

  • المفروشات والأدوات المنزلية.

  • الصحة.

  • النقل والمواصلات والاتصالات.

  • الترفيه والثقافة.

  • التعليم.

  • السلع والخدمات الأخرى.

أما عن المصادر المعتمدة في جمع أسعار هذه العناصر، فيتم اعتماد العديد من المصادر للخروج بسعر معياريٍّ لكلِّ مجموعة، منها:

  • تجار التجزئة.

  • مواقع البيع الالكتروني.

  • السلطات الحكومية أو الرسمية المسؤولة عن ضبط ومراقبة الأسعار، أو المسؤولة عن تنظيم أسواق الصادرات والورادات.

  • مقدمي الطاقة ووكلاء العقارات، واللذين يؤدّون دورا مهما في إعطاء إشارات توكيدية على ارتفاع الأسعار.

كما ويتم إدخال، أو تحديث، قائمة السلع، بالعناصر السلعية الحديثة، مثلما هو الحال حينما تم إدخال الهواتف الذكية، لقياس استفادة المستهلكين من التقدم التكنولوجي.

مفهوم التضخم الأساسي Basic Inflation خلال قياس مؤشر أسعار المستهلك:

قد يكون من المفيد أيضاً، النظر إلى مفهوم التضخم الأساسي، والذي يستثني تلك العناصر التي تشهد تغييرات كبيرة في الأسعار بشكل خاص، أو بشكل متكرر.

وذلك لأن هذا المؤشر يرى بأن العناصر التي تشهد تغييرات كبيرة في أوقات معينة، ما هي إلا عناصر محكومة بعوامل مؤقتة، وغير مرتبطة بالظروف العامة في الاقتصاد.

وهو مثلما يحدث لدى عنصر غذائي معين، نتيجة ظرف بيئي استثنائي، أضرَّ بحجم الانتاج، وأدى إلى رفع السعر، بعيداً عن أي تحسّن في الطلب، أو نتيجة عامل اقتصادي عام.

التضخم الأساسي نوع من المؤشرات التي يجب العناية بها في فهم آلية قياس التضخم

ثانيا. مؤشر أسعار المنتجين (PPI) Consumer Price Index:

يتتبع هذا المؤشر التغيرات في أسعار البيع التي يقدمها المنتجون المحليون للسلع والخدمات التي يقدمونها.

حيث يتم استخدام هذا المؤشر لتتبع التضخم في مرحلة الإنتاج، وهذا لإظهار تغيرات الأسعار من وجهة نظر البائع.

أي أن هذا المؤشر يقابل المؤشر الأول، من خلال عرض وجهة النظر الأخرى، التي يتم استخلاص مصدر المعلومة منها.

كما ويعتبر هذا المؤشر، على قدر كبير من الأهمية، وذلك لمعرفة الفروقات السعرية بين المنتج والمستهلك، والتوقف طويلا عند تحديد النقاط التي يجب العمل على معالجتها من خلال صُنّاع السياسة المالية والنقدية وغيرهم.

مؤشر أسعار المنتجين هو المؤشر الآخر لتوضيح مفهوم التضخم وجعلها شموليا

ثالثا. مؤشر تكلفة العمالة (ECI)  Employment Cost Index :

يعتبر هذا المؤشر مؤشراً مهما، لأنه يلقي، من وجهة نظرنا، الضوء على منحنى فيلبس الذي يساعد في تفسير العلاقة بين التضخم وحالة الاقتصاد.

حيث حدد منحنى فيلبس -والذي سُميَّ على اسم الخبير الاقتصادي دبليو فيلبس- حدد في البداية العلاقة بين البطالة وتضخم الأجور، من ثمَّ توسعت الفكرة لقياس الأسعار والخروج بمؤشرات التضخم التي نعرفها.

ويتتبع هذا المؤشر التغيرات في تكلفة توظيف العمال في مختلف المجالات، وذلك بهدف قياس التضخم في سوق العمل، وانعكاسه على مستويات الأجور التي تمثل عنصراً أساسيا من عناصر قياس تكلفة العمل، والتي ستنعكس أيضا على أسعار السلع من وجهتي نظر المنتج والمستهلك في آن معاً.

وهذا مؤشر يجب الانتباه إليه لقياس مدى صحة الاقتصاد، أو للتأكد من مدى مصاحبة التضخم للنمو الاقتصادي في ذلك البلد.

رابعا. معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي:

يتحدث هذا المؤشر عن تغيرات أسعار السلع المنتجة محليا، فيشمل الصادرات إلى الخارج، ولكنه يهمل الواردات.

 ويتتبع هذا المؤشر التغيرات في أسعار السلع المنتجة محلياً، بمعنى أنه يشمل الصادرات للخارج، ولا يشمل الواردات.

تحديات قياس معدل التضخم :

والآن، وبعد عرض موجزٍ وبسيطٍ للمؤشرات الرئيسة التي تعبر عن حالة التضخم، فإننا ننتقل إلى التحديات والانتقادات الموجهة لمؤشرات التضخم، وهي على النحو الآتي:

الانتقاد الأول. لا يعكس التضخم التغييرات الجهورية الكاملة التي قد تحدث إما في عملية تصنيع السلع، أو في القوانين التي تحكم انتاج هذه السلع.

وبهذا الانتقاد فإن الاتهام الرئيسي، يتمثل في أن قياس تغير سعر سلعة ما، أو مجموعة من السلع، يعتبر أمراً غير منطقي، أو عادل.

الانتقاد الثاني. معدل التضخم يقلل من أهمية دراسة مستوى معيشة السُكّان مقابل الارتفاعات السعرية.

إلا أن هناك من دحض هذا الاتهام، وقال بأن مؤشرات التضخم تعكس في النهاية ما يفعله الناس بأموالهم تجاه ما يحتاجونه من السلع.

وبالتالي يعكس مستوى رفاهيتهم تبعا لنوع السلع التي ارتفعت اسعارها دون مصاحبة لانخفاض الرغبة في شرائها.

بينما يذهب انتقاد آخر إلى الحديث عن عدم تحديث قائمة عناصر السلع والخدمات، بشكل دوريّ، باستثناء العوامل التكنولوجية التي تدفع إلى ضرورة التحديث كما ذكرنا أعلاه.

في النتيجة؛

فإن الانتقادات الموجهة إلى معدل التضخم تبقى متعددة، خاصة وأن هناك من يرى بأن التضخم لا يعبر إلّا عن أرقام تم جمعها بطريقة مُجرّدة.

وهو الأمر الذي قد لا يعبر في الحقيقة عن الارتفاعات التي تحدث مقارنة بمستويات المداخيل والمفهوم الجدلي لمعايير الحياة الكريمة.

إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإن مؤشر التضخم يبقى من أهم المؤشرات التي تهزُّ الاقتصاديات وما يتصل بها من أمور.

نرجو أن يكون هذا المقال مفيداً لجمهور القرّاء، وعلى أملّ اللقاء في دليل مستقبلي لمؤشر اقتصادي آخر.


المصادر التي تم الاعتماد عليها في إعداد هذا المقال:

 

 

 

 

 

 

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية