أربعة معطيات ترسم مستقبل الدولار الأمريكي ما بين الارتفاع والانخفاض

يتزايد النقاش يوميا حول مستقبل الدولار الأمريكي في ظل المعطيات الحالية، ما بين تضخم عنيد، وأزمة مصرفية، ومجريات الحديث حول سقف الدين الأمريكي، والظروف الاقتصادية المضطربة.

كما يمكن إضافة الحديث عن المنافسة الطبيعية التي يتعرض لها الدولار الأمريكي على صعد مختلفة، مثل العملات الرقمية، وتزاحم استخدام عملات أخرى في بعض المعاملات التجارية الدولية.

وفي هذه المقالة سنتحدث عن الأمور التي ستمثل تأثيرا كبيرا على مستقبل الدولار الأمريكي وهي على النحو الآتي:

أولا. التضخم:

على الرغم من انخفاض التضخم من مستويات 6.5%  التي بدأها هذا العام، إلى مستويات 4.9%، إلا أن رئيس الفيدرالي والفيدراليين الآخرين ما زالوا يرون أن التضخم ما زال عنيدا وبعيدا عن 2%.

كما أن قراءات التضخم الأخرى، مثل مؤشر الاستهلاك الشخصي والمنتجين، ما زالت مؤشرات عنيدة.

إضافة إلى مؤشرات الانفاق ومبيعات التجزئة، ما زالت كلها تشير إلى أنها متماسكة، وهو ما يعني أن التضخم ما زال معضلة أمام الفيدرالي.

وفيما يتعلق بهذه النقطة تحديدا، فإن تراجع التضخم في المستقبل بصورة جيدة وسريعة، سيمثل راحة كبيرة للفيدرالي.

حيث يمكن للفيدرالي في تلك اللحظة التفكير بشكل كبير بالتراجع عن رفع الفوائد، بل والعمل على تخفيضها.

ووفقا لتحليل بنك أوف أمريكا، فإن الفيدرالي حينما سيقوم بتخفيض الفوائد، فإنه سيقوم بها بسرعة شديدة جدا.

ولكن وحتى هذه اللحظة فإن التضخم ما زال عنيدا، وما زال مغذيا للفوائد المرتفعة عند مستوياتها الحالية على أقل تقدير.

وبذلك فإن بقاء التضخم عنيدا، سيكون جيدا للدولار بصفته عملة ذات عائد جيد.

ثانيا. الأزمة المصرفية:

تمثل هذه الأزمة أكثر الضربات الاقتصادية حساسية منذ عام 2008، حيث انهارت على إثرها 3 بنوك أمريكية، وبنك سويسري عريق.

بينما يتم الحديث اليوم عن مستقبل أكثر من خمسة بنوك أمريكية إقليمية كبرى.

وبذلك فإن الأزمة واستمرارها سيمثلان دعما للدولار الأمريكي بصفته ملاذا آمنا.

ولكن وبمجرد أن يتم الحديث مليّا عن تحسن الظروف المصرفية، فإن ذلك سيعني ازوداجية في الموقف.

فمن جانب، سيكون الانتهاء من الأزمة جيدا للاقتصاد ككل، بينما وعلى جانب آخر سيمثل قدرة على العودة إلى الائتمان وبالتالي زيادة ضخ السيولة ودعما لبقاء التضخم صامدا.

إذن فالحديث عن الأزمة المصرفية ليس بتلك البساطة، وسيحتاج إلى الكثير من المتابعة.

ثالثا. سقف الدين الأمريكي:

تتضارب الأخبار حول التوصل لحل حول هذه المعضلة بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولكن يجب التنويه لأمرين:

الأول هو أن الاتفاق سيتم إن آجلا أم عاجلا، بغض النظر عن حيثيات التوصل إليه.

بينما يمكن الثاني في أن التوصل للحل لا يعني أن المشكلة سيتم حلها بشكل نهائي، حيث سيتم تأجيل الحديث عن هذه المشكلة لشهور قادمة.

وبالتالي فإن أزمة سقف الدين والتخلف عن السداد، ستستمر حتى وقت ليس بسيط، وستغذي دائما الحديث عن الدولار بصفته ملاذا آمنا.

رابعا. الظروف الاقتصادية المضطربة:

يبدو أن الحديث عن ركود اقتصادي عالمي سواء في أمريكا أو اوروبا هو الأكثر انتشارا، خاصة في ظل فوائد مرتفعة حالية.

بينما تزداد مخاوف تعطل الماكينة الصينية عن الانتاج بالشكل المأمول نظرا للمؤشرات الاقتصادية الصادرة عن الجانب الصيني.

وبالتالي فإن استمرار هذه الظروف الغامضة، سيمثل أيضا حديثا عن مستقبل الدولار الأمريكي بصفة إيجابية نظرا لصفته كملاذ آمن.

في النتيجة؛

فإنه يلاحظ أن كل المعطيات السابقة، تمثل أمورا محيرة وغير قابلة للتوقع، مما يجعل الحديث عن مستقبل الدولار الأمريكي في الأمد القصير، أمرا صعبا.

ولكن يمكن الحديث عن احتمالية انخفاض الدولار الأمريكي في الحالات الآتية:

  • تعويل الفيدرالي على الظروف الائتمانية المصرفية  المتشددة لتخفيض وجود السيولة في السوق، وعدم اللجوء لرفع الفوائد بشكل أكبر.

  • الانفراجة في الأزمة المصرفية، وعودة الاستقرار المصرفي.

  • التوصل لحل قريب جدا لسقف الدين الأمريكي، مع وضع جدول لحل جذري أوسع.

  • عودة الاقتصاد للانتعاش وانحسار المخاوف من الركود الاقتصادي.

وبناء على هذه المعطيات السابقة، مجتمعة كلها، أو بعضها، فإنه سيتم الحديث عن ارتفاع مشاعر المخاطرة لدى المتعاملين في الاسواق.

حيث ستعاود اسواق المال في تلك الحالة الارتفاع إلى مستويات مميزة.

بينما ستمثل هذه المعطيات ضربة للدولار الأمريكي بشكل نسبي، والملاذات الآمنة وعلى رأسها الذهب.

وكلمة “نسبي” التي نصف بها حالة تراجع الدولار في تلك الحالة، تعتمد على أن عودة النشاط الاقتصادي تدريجيا، سيعيد الطلب على العملات الصعبة مرة أخرى، وبالتالي عودة التوازن للدولار الأمريكي دون تراجع أو ارتفاع كبير.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية