معدل التضخم المستهدف 2% فلماذا لا يكون صفرا وما هي قصة هذا الرقم

لطالما استمعنا إلى أن كل ما يحدث الآن من ارتفاع في اسعار الفوائد البنكية، جاء بهدف القضاء على ارتفاع معدلات التضخم، وإعادتها إلى معدل التضخم المستهدف البالغ 2% لدى الجانب الأمريكي والأوروبي. ولكن لماذا يتم الحديث عن هذه المعدلات تحديدا، ومن هو الذي قام بتحديدها؟

السؤال الأول. لماذا الرقم 2%؟

كان هذا هو معدل التضخم المستهدف الفعلي أو الرسمي للفيدرالي والمركزي الأوروبي والعديد من المؤسسات المماثلة الأخرى منذ التسعينيات على الأقل.

حيث إنه ومنذ عام 1996، تبنى صناع السياسة الفيدرالية عمومًا الموقف القائل بأن هدفهم للقيام بذلك كان معدل تضخم يبلغ حوالي 2%.

وفي كانون الثاني (يناير) 2012 ، أعلن رئيس مجلس الإدارة آنذاك بن برنانكي عن هذا الهدف الرسمي.

كما أوضح كل من خلفه، بما في ذلك الرئيس الحالي جيروم باول، أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يرى أن 2% هو المعدل المناسب المطلوب للتضخم.

السؤال الثاني. لماذا يحرصون على مراقبة التضخم أساسا بنسبة محددة؟

للحديث عن أهمية وضع نسبة محددة للتضخم، فإننا سنأخذ الجانب الأمريكي كمثال.

حيث تستهدف اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لدى الولايات المتحدة الأمريكية (FOMC) معدل 2% للتضخم على المدى الطويل.

وذلك أن اللجنة ترى في هذه النسبة تحديدا أمرا جيدا لضمان أقصى قدر من التوظيف والانتاج في ظل أسعار مستقرة.

ففي حال توقع الأسر والشركات أن يبقى التضخم منخفضا ومستقرا، فإنها ستكون قادرة على اتخاذ قرارات سليمة فيما يتعلق بالإدخار والاقتراض والاستثمار، وبالتالي دعم الاقتصاد بصورة جيدة.

ولسنوات عديدة ، ظل التضخم في الولايات المتحدة أقل من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة.

وهو أمر جيد، خاصة وأن التضخم يحتوي على مكونات مهمة جدا، وهما الوقود والغذاء والمسكن.

وفي حال ارتفاع أسعار هذه العناصر، فإن الأعباء التي ستواجهها العديد من الأسر سترتفع؛ خاصة لدى الأسر التي لا تمتلك دخلا كافيا.

كما أن انخفاض القدرة الشرائية لدى الأسر على الأمور الأساسية، سيمثل ضربة لقدرة الشركات على النمو، وبالتالي إضعاف الشركات.

السؤال الثالث. لماذا إذن لا يتم استهداف التضخم عند مستويات 0%؟

إن التضخم المنخفض للغاية بشكل مستمر يمكن أن يشكل مخاطر جسيمة على الاقتصاد، على عكس ما قد يظن البعض.

وهذه المخاطر الجسيمة تتمثل في دوامة الانكماش، التي وفي حال حدثت، فإنها ستكون مشكلة طويلة الأجل أيضا.

فعندما ينكمش الاقتصاد خلال فترة الركود مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ينخفض الطلب الكلي على جميع الأشياء التي ينتجها أيضًا.

ونتيجة لذلك ، لم تعد الأسعار ترتفع بل وربما تبدأ في الانخفاض – وهي حالة تسمى الانكماش.

الانكماش هو عكس التضخم تمامًا، فبدلاً من ارتفاع الأسعار بمرور الوقت ، فإنها تنخفض.

في البداية، يبدو أن انخفاض الأسعار وانخفاضها أمر جيد، فمن منا لا يريد شراء نفس الشيء بسعر أقل ويرى قوته الشرائية ترتفع؟

لكن الانكماش يمكن أن يكون مدمرًا للغاية للاقتصاد، فعندما يشعر الناس أن الأسعار تتجه نحو الانخفاض المستمر فإنهم في الواقع يؤخرون عمليات الشراء على أمل أن يتمكنوا من شراء أشياء بسعر أقل في وقت لاحق.

وهذا الإنفاق المنخفض من قبل المستهلك سيؤدي إلى دخل أقل للمنتجين، مما يدفع إلى مشكلتين: انخفاض الانتاج وارتفاع البطالة.

بالإضافة إلى ذلك ، فإن الشركات أيضًا ستؤخر الإنفاق لأنها تتوقع مزيدًا من الانخفاض في الأسعار.

باختصار ، يؤدي الانكماش إلى مزيد من الانكماش.

وعلى مدار معظم تاريخ الولايات المتحدة، عادة ما تسير فترات الانكماش جنبًا إلى جنب مع الانكماش الاقتصادي.

وهناك نظرة أخرى لظاهرة التضخم المنخفض جدا.

فيمكن لانخفاض التضخم إلى ما دون المستوى المطلوب، أن يؤثر على الرغبة في الانتاج لدى الشركات التي لن تستطيع البيع باسعار مرتفعة وتحديدا أرباح.

وانخفاض الانتاجية للسلع الأساسية تحديدا، سيؤدي إلى تغذية التضخم المرتفع بشكل ضمني غير صريح.

حيث إن انخفاض الانتاج في هذه الحالة، سيخفض من عرض السلع الأساسية، ومن ثم دفع أسعارها مع الزمن نحو الارتفاع.

وبالتالي فإنه وفي حالة انخفاض التضخم كثيرا، فإن الفيدرالي أو البنوك المركزية عموما ستتدخل بشكل سريع وستقوم بتخفيض اسعار الفوائد لتنشيط الاقتصاد ودفع الجميع للانفاق وتنشيط الاقتصاد.

وبالتالي فإن تدخلات البنوك المركزية يجب ان لا تكون بطيئة في ظل الانخفاض أو الارتفاع الكبير في معدلات التضخم.

للتعرف على المعدلات المستهدفة للتضخم لدى عدد كبير من الدول اضغط هنا.

المقالات التي تم الاعتماد عليها في إعداد هذه المقالة:

Why does the Federal Reserve aim for inflation of 2 percent over the longer run?

The Fed’s target for inflation is a made-up number that lacks any concrete evidence. That’s kind of the point

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية