هل سينخفض معدل التضخم ؟ ثلاثة دروس يجب إدراكها ورسالة خطيرة للجميع

يشغل ارتفاع التضخم العالمَ بأسره، وخاصة دول العالم الغني، والتي ارتفعت لديها اسعار المستهلكين بنسبة 10% على أساس سنوي، وهو أعلى معدل منذ عام 1983، وهو العام الذي يحتل مكانة خاصة في كتب التاريخ والاقتصاد، وبذلك فإنه سيتم الاستناد إلى تلك التجربة، للإجابة على سؤال مهم وهو هل سينخفض معدل التضخم ؟

رسالة خطيرة للجميع قبل البدء في تفصيل هذه المقالة!

قبل الدخول في تفاصيل هذه المقالة، فإنه يجب التنويه إلى أنها مقالة تخصصية من جانب، ورسالة يرجو موقع كواليس المال أن تصل إلى مسامع الجميع بغض النظر عن تحصيله العلمي، أو تخصصه العملي.

بل إن موقع كواليس المال يطمع بأن تصل هذه المقالة المقتضبة والمترجمة عن موقع The Economist، إلى أصحاب القرار، أو إلى أي جهة إعلامية دولية.

حيثُ إنَ إدراك الجميع بأن معركة التضخم ما زالت في بدايتها، سيعطي تصورا لما قد يمكن أن يكون عليه الوضع حول العالم.

بل إن هذا الإدراك قد يساعد في وضع خطط من قبل الدولة والمؤسسات والأفراد، لمواجهة الوضع الذي يمكن أن يؤول إليه الاقتصاد، وذلك إذا لم يتم حل هذه المشكلة الاقتصادية بطرق تتعدى الاقتصاد نفسه.

فحرب التضخم، وبحسب التاريخ، تحتاج إلى فهم دروس مهمة، على رأسها أن التضخم سيحتاج إلى وقت للانخفاض.

وأن الوقت الذي ستحتاجه حرب التضخم، ستعني السير طويلا إما ضمن مستويات مرتفعة من الفوائد، أو مسار أسوأ في استمرار رفعها.

وهو ما قد يعني ارتفاعا في اقساط القروض، أو ارتفاع في قيمة العملة الأمريكية على وجه التحديد، مما سيعني ارتفاعا في تكاليف كل شيء تقريبا وتحديدا للدول المستوردة.

التفاصيل: هل سينخفض معدل التضخم ؟ ثلاثة دروس يجب إدراكها ورسالة خطيرة للجميع

يُعَدُ عام 1983 هو العام الأخير لأرقام التضخم التي كانت ترتفع بشكل كبير لسنوات، ليأتي عقد التسعينيات بمعدلات تضخم منخفضة.

وبذلك فإن محافظي البنوك المركزية العالمية يأملون في تكرار نفس الأمر، والانضمام إلى قائمة الشخصيات التي قهرت التضخم قبل اربعين عاما.

ويأتي رئيس الفيدرالي الأمريكي على رأس من قهروا التضخم آنذاك، وهو بول فولكر (الذي ترأس الفيدرالي ما الفترة 1979-1987).

كما يوجد هناك جهود بُذلت في تلك الحقبة من قبل رؤساء بنوك مركزية عالمية كندية، وايطالية، وألمانية (وهي البنوك التي كان كل منها يمتلك عملته الوطنية الخاصّة)

والذين قدموا تشبيها بليغا عن التضخم، وذلك حينما قالوا:

“إن التضخم، مثل معجون الأسنان، بمجرد خروجه من علبته، بالكاد يمكنك اعادته إلى مكانه مرة أخرى”.

وبموجب توقعات الاحتياطي الفيدرالي فإنه وبحلول عام 2024 سيكون التضخم قريبا من معدله المستهدف (2%)، مع ارتفاع طفيف في البطالة.

كما ويجد المحللون أن معدل التضخم هذه المرة يختلف عما كان عليه قبل أربعة عقود، وذلك أن الفترة التي ارتفع فيها قصيرة مقارنة بالماضي.

بينما يقول آخرون إن التضخم الحالي يأتي نتيجة عوامل أخرى، مثل اضطرابات جانب العرض، والتي ستتلاشى عما قريب.

إلا أن البعض الآخر يرى بأنه وعلى الرغم من المدة الزمنية القصيرة التي حدث فيها التضخم (أقل من عام) فإن التضخم يرتفع في كل مكان تقريبا.

وبذلك فإن تجربة الثمانينات قد تكون مفيدة، خاصة وأن تلك التجربة تحمل ثلاثة دروس صعبة:

أولا. يمكن أن يستغرق التضخم وقتا طويلا حتى ينخفض.

ثانيا. تتطلب هزيمة التضخم مشاركة ليس فقط من قبل محافظي المركزي الأمريكي، وإنما من قبل صانعي السياسة الآخرين.

ثالثا. هناك تكاليف يجب تقبلها أثناء هزيمة التضخم.

الدروس الثلاثة، أمور يجب إدراكها من الآن!

أولا. التضخم لا يعالج خلال شهور !

يمكن النظر إلى الوقت الطويل الذي استغرقه انخفاض التضخم في الماضي، وذلك بالنظر إلى أفضل تجارب البنوك المركزية التي تعاملت مع التضخم بسرعة آنذاك.

حيث شهدت إيطاليا نجاحًا أسرع من معظمها، وذلك بعدما انخفض التضخم الايطالي من 22% عام 1980 إلى 4% عام 1986.

لتعيش إيطاليا في خمس سنوات من ارتفاع الاسعار بأكثر من 10%، والتي تحملها المواطن بشق الأنفس.

وبحسب المحللين فإنه حتى لو قام العالم الغني اليوم بخفض التضخم بالسرعة التي فعلتها إيطاليا، فإن متوسط ​​معدل التضخم فيها لن ينخفض ​​إلى 2% قبل أواخر عام 2025.

فالدول التي واجهت التضخم في الثمانينات، واجهت العديد من العراقيل أثناء تخفيض التضخم.

فمثلا انخفض معدل التضخم في العالم الغني ما بين 1980-1981 ثم توقف الانخفاض ما بين 1982-1983.

فيما كان هناك ارتفاع تضخمي آخر عام 1987-1988 بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة.

وبذلك فإن هذا الدرس يتمثل في أن انخفاض معين في قراءة ما للتضخم، لا تعني أنه تم القضاء على التضخم بشكل كبير.

الدرس الثاني. العلاج لا يأتي من قبل جهة واحدة فقط!

وهنا نأتي لضرورة ملاحظة أن محافظي البنوك المركزية العالمية، لا يمكنهم فعل الكثير لوحدهم.

حيث يقول جون كوكران من جامعة ستانفورد في بحث جديد:

“لم يتم التغلب على التضخم في الثمانينيات من خلال السياسة النقدية وحدها”.

فقد تم إعداد إصلاحات مالية، والانفتاح على الخارج لحدوث تنافس سعري للأسفل.

كما يمكن ملاحظة السياسات التقشفية التي اتبعتها بعض الدول لتخفيض القدرة على الانفاق، مثلما فعلت فرنسا والدنمارك.

وبذلك فإن الخلاصة تتمثل في أن السياسات التقشفية أو التشددية ستكون ركنا أساسيا في معالجة التضخم.

الدرس الثالث. أثناء علاج التضخم: هناك ألم! هناك ألم! هناك ألم! 

سيقترن علاج التضخم بالتكلفة، والألم الاقتصادي الذي ستتكبده الدول، بغض النظر عن تصريحات رئيس الفيدرالي عن الهبوط الناعم.

فبالعودة إلى تلك الحقبة الصعبة، فإن متوسط البطالة ارتفع في انحاء العالم الغني لسنوات خمس.

بينما انفجرت العديد من المشاكل الاقتصادية لديها، مثل انخفاض بناء المنازل بمقدار الخمس ما بين 1980-1982.

وبذلك فهذا هو الاستعراض الموجز لما حدث في الماضي، والذي يجب أن يتم أخذه بعين الاعتبار لمحاربة التضخم بأسرع وقت مهما كانت التكلفة.

وإلا فإن التضخم سيكون معضلة للحكومات والشعوب، رغم كل المساعي الحالية للحد من خطورته، والحديث عن حتمية انخفاضه، أو أن الركود سيكون شبحا أكبر منه.

فالجميع الآن بات يريد أن يربح معركة التضخم دون أن يقبل خسارة أي شيء على الإطلاق، وهو ما قد يعرض الدول والشعوب إلى مشاكل كبيرة أهمها:

  • ارتفاع العجز المالي لدى الحكومات.

  • الارتفاع الدائم في الاسعار.

وارتفاع الاسعار في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، فإنه لن يقابله ارتفاع في مداخيل الشعوب بشكل حقيقي، إما بسبب عجز الحكومات، أو انخفاض ربحية الشركات التي ستقلص من نفقاتها للحفاظ على مصالحها.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية